مقال مكتوب: بعنوان هل تخرج زكاة الفطر بدين مؤجل أو سلف... بقلم: أبي عبدالله فهمي البوري
هل تخرج زكاة الفطر بدين مؤجل أو سلف
إعلم أولا أن الجمهور من أهل العلم على أن زكاة الفطر من رمضان فرض, واستدلوا لذلك بما رواه الشيخان: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ)البخاري(1503)مسلم(984)
(ولا فطرة على معسر وقت الوجوب بالإجماع كما نقله ابن المنذر وإن أيسر بعد لحظة. لكن يستحب له إذا أيسر قبل فوات يوم العيد الإخراج.)مغني المحتاج2/113 ,والمعسر من لم يفضل عن قوته وقوت من في نفقته ليلة العيد ويومه شيء, وضده الموسر, ويعرف الموسر بحسبه.
ولا يلزمه بيع ما يحتاج إليه فمن (له دار يحتاج إليها لسكناها، أو إلى أجرها لنفقته، أو ثياب بذلة له، أو لمن تلزمه مؤنته، أو رقيق يحتاج إلى خدمتهم هو أو من يمونه، أو بهائم يحتاجون إلى ركوبها والانتفاع بها في حوائجهم الأصلية أو سائمة يحتاج إلى نمائها كذلك، أو بضاعة يختل ربحها الذي يحتاج إليه بإخراج الفطرة منها، فلا فطرة عليه كذلك؛ لأن هذا مما تتعلق به حاجته الأصلية، فلم يلزمه بيعه، كمؤنة نفسه. ومن له كتب يحتاج إليها للنظر فيها والحفظ منها، لا يلزمه بيعها. والمرأة إذا كان لها حلي للبس أو لكراء يحتاج إليه، لم يلزمها بيعه في الفطرة. وما فضل من ذلك عن حوائجه الأصلية، وأمكن بيعه وصرفه في الفطرة وجبت الفطرة به؛ لأنه أمكن أداؤها من غير ضرر أصلي، أشبه ما لو ملك من الطعام ما يؤديه فاضلا عن حاجته.)المغني3/96
وأما إن (مات من وجبت عليه الفطرة قبل أدائها، أخرجت من تركته فإن كان عليه دين وله مال يفي بهما، قضيا جميعا، وإن لم يف بهما، قسم بين الدين والصدقة بالحصص. نص عليه أحمد في زكاة المال، أن التركة تقسم بينهما، وكذا هاهنا. فإن كان عليه زكاة مال وصدقة فطر ودين، فزكاة الفطر والمال كالشيء الواحد لاتحاد مصرفهما، فيحاصان الدين، وأصل هذا أن حق الله سبحانه، وحق الآدمي، إذا تعلقا بمحل واحد، فكانا في الذمة، أو كانا في العين، تساويا في الاستيفاء)المغني3/100
وأعلم أن الدين لا يمنع الزكاة فمن كان في يده ما يخرجه عن صدقة الفطر وعليه دين مثله لزمه أن يخرج، إلا أن يكون مطالبا بالدين، فعليه قضاء الدين ولا زكاة عليه إنما لم يمنع الدين الفطرة, بل منعه كونه حضره وقت الأداء ولم يكن عنده مايخرجه لقضائه دينه الحال, قال العثيمين: (وإنما لم يمنعها الدين؛ لأن الدين تعلق بالمال وزكاة الفطر تتعلق بالذمة، وإنما منعها بطلبه من أجل إيفاء الدين للمطالب به لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم» البخاري2287مسلم1564 من حديث أبي هريرة فلهذا نقول: إذا كان مطالبا به وقال له صاحبه: أعطني ديني، وليس عنده إلا صاع، فإنه يعطيه هذا الصاع، وتسقط عنه زكاة الفطر.
وفي هذه المسألة أقوال ثلاثة:
الأول: لا يمنعها مطلقا سواء طولب به أم لم يطالب به.
الثاني: أنه يمنعها مطلقا سواء طولب به أم لم يطالب به.
الثالث: التفصيل الذي ذهب إليه المؤلف، وهو قريب.
ولكن، الأقرب منه هو القول الأول أنه لا يمنعها الدين مطلقا سواء طولب به أو لم يطالب به، كما قلنا في وجوب زكاة الأموال، وأن الدين لا يمنعها إلا أن يكون حالا قبل وجوبها فإنه يؤدي الدين وتسقط عنه زكاة الفطر.)الممتع6/153
فإذا علمت أن الدين لا يمنع الزكاة, فلو وجد من يقرضه أو يصبر عليه إلى أن يستلم الراتب إستحب له ذلك وهو ظاهر مذهب المالكية, قال سحنون في المدونة (في إخراج المحتاج زكاة الفطر قلت: أرأيت- يعني عبد الرحمن بن القاسم - من تحل له زكاة الفطر أيؤديها في قول مالك؟
قال: نعم.
قلت:
فالرجل يكون محتاجا أيكون عليه صدقة الفطر؟ قال: قال لي مالك: إن وجد فيؤد، قال: فقلنا له: فإن وجد من يسلفه؟
قال: فليتسلف وليؤد.
قلت: أرأيت هذا المحتاج إن لم يجد من يسلفه ولم يكن عنده شيء حتى مضى لذلك أعوام ثم أيسر، أيؤدي عما مضى عليه من السنين صدقة الفطر أم لا؟ فقال: لا، قلت: وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.
قال: وقال مالك: من أخر زكاة الفطر حتى مضى لذلك سنون فإنه يؤدي ذلك كله.)المدونة1/385
(وإن قدر عليه بتسلف يرجو القدرة على وفائه وقيل لا يجب التسلف وأخذ منه عدم سقوطها بالدين؛ لأنه إذا وجب تسلفها فالدين السابق عليها أولى أن لا يسقطها، وهو المذهب فليتأمل)الشرح الكبير للدردير1/505 , وقال (ابن رشد: التسلف مستحب.)التاج والاكليل لمختصر خليل3/259
والحمد لله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق