مقال مكتوب: بعنوان الأعذار المبيحة للتخلف عن الجمع والجماعات... بقلم: أبي عبدالله فهمي البوري
مقال مكتوب
الأعذار المبيحة للتخلف من شهود الجمع والجماعات
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا ,من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, واشهد أن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, واشهد آن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون)
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)
(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
فان خير الحديث كتاب الله, و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار)) .
وبعد :
فإن كل من تدبر الشرائع، لا سيما شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وجد قضية التيسير فيها ظاهرة ظهور الشمس في رابعة النَّهَارَ ,ولهذا قال في آية الصيام: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}البقرة(185), وهذه هي الارادة الدينية وهي محبة المراد ورضاه ومحبة أهله والرضا عنهم وجزاهم بالحسنى, قال تعالى: { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج}المائدة(6). أي من ضيق في الدين، دليله قوله تعالى: { وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}الحج(78). وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِين)البخاري(220), وقال لمعاذ وأبي موسى: (يسرا ولا تعسرا) وقال: (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)النسائي(5034)صححه الالباني, وقال (لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني)متفق عليه, وقال: (إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)مسلم1115.
(وهو سبحانه يسقط الواجبات إذا خشي المريض زيادة في المرض أو تأخر البرء، فيسقط القيام في الصلاة، والصيام في شهره، والطهارة بالماء كذلك، بل المسافر مع تمكنه من الصيام أسقطه عنه في شهره، وقال: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} .)درء تعارض العقل والنقل8/478, قال العثيمين: (ومن القواعد المشهورة: المشقة تجلب التيسير، ولا شك أن الجمعة أوكد بكثير من الجماعة لإجماع المسلمين على أنها فرض عين؛ لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }الجمعة(9).
أما الجماعة فإنه سبق الخلاف فيها، وأن القول الراجح أنها فرض عين ، لكن آكديتها ليست كآكدية صلاة الجمعة، ومع ذلك تسقط هاتان الصلاتان للعذر.
ومن هذه الأعذار التي يسقط بهما هذا الفرض ما ذكره الأئمة في كتبهم ومن ذلك قول البشار في نظمه على موطأ مالك:
وعذرها المبيح للتخلـــــــــــــــــــــــف****عري وتمريض قريب مشـــرف
وكونه ينظر شأن المحتضـــــــــــــر****وكثرة الوحل وشدة المطــــــــــــر
أو مرض أو ضربه مظلــــــــــــــــوما****أو حبسه بالظلم أو عــــــــــديما
أو هرمه أو أكله كالثـــــــــــــــــــــــــوم****أو من يضر الناس كالمجذوم
ومثله الأعمى الذي لا يهتدي****بنفسه أو لم يجد من قائـــــــــد
وانت ستلحظ من هذه الأعذار, في أعظم ركن بعد الشهادتين ملحظا جميلا, وهو سماحة هذا الدين الذي يخاطب الناس كافة، بجميع أعراقهم وأطيافهم، في كل أرجاء الأرض، لا بد أن يتميز بصفات وخصائص تتناسب مع أحوال الناس وظروفهم في البلاد المتفرقة من العالم, قال تعالى: { وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ(28), فلا تخلو فريضة ولا شعيرة إلا وقد اكتسبت من ذلك التيسير ما يجعل الإنسان قادرًا على تطبيقها والقيام بها على الصورة التي أرادها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه عز وجل لا يكلف النفس فوق طاقتها أبدًا, قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}البقرة(286), وتتضح الصورة جلية بالمقارنة مع ما كانت عليه الأمم قبلنا, قال تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}الأعراف(157).
فتطبيق الدين, يحمل في طياته السعادة والعدالة, وينفي عنه الشقاء والعذاب, قال تعالى: { طه (1) مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى(2)}طه(1-2), أي لتتعب, فقبول الطاعة غير مرتبط بمدى التعب والنصب, ولكن أن تكون حيث أراد الله من إلتزام دينه القويم, فمهما أتعب الإنسان نفسه في غير ما أراد الله, فلا يجلب ذلك الرضا له, فعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» قَالَتْ: فُلاَنَةُ، تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا، قَالَ: («مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ )البخاري(43)مسلم(785), عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: (مَا هَذَا الحَبْلُ؟) قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ)البخاري(1150)مسلم(784)
فالأعذار التي ذكرها البشار هي:
الأول: العري:
قال النووي: (أن يكون عاريا لا لباس له، فيعذر في التخلف، سواء وجد ما يستر العورة، أم لا.)روضة الطالبين1/346
الثاني: تمريض قريب مشرف: وذلك لأن حرمة الآدمي آكد من حرمة الجماعة, ولقضية «عثمان حين أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرجوع لتجهيز زوجته بنت المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر وأسهم له» .
ومن فعل ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أنه ذُكِرَ لَهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَكَانَ بَدْرِيًّا، مَرِضَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ تَعَالَى النَّهَارُ، وَاقْتَرَبَتِ الجُمُعَةُ، وَتَرَكَ الجُمُعَةَ)البخاري(3990).
قال ابن قدامة: (أو يكون له قريب يخاف إن تشاغل بهما مات فلم يشهده. قال ابن المنذر ثبت أن ابن عمر استصرخ على سعيد بن زيد بعد ارتفاع الضحى فأتاه بالعقيق وترك الجمعة. وهذا مذهب عطاء، والحسن، والأوزاعي، والشافعي.)المغني1/451.
الثالث: وكثرة الوحل وشدة المطر:
الذي يبل الثياب، والوحل الذي يتأذى به في نفسه وثيابه, قال العثيمين: (فإذا خاف الأذى بمطر أو وحل، أي: إذا كانت السماء تمطر، وإذا خرج للجمعة أو الجماعة تأذى بالمطر فهو معذور.
والأذية بالمطر أن يتأذى في بل ثيابه أو ببرودة الجو، أو ما أشبه ذلك، وكذلك لو خاف التأذي بوحل، وكان الناس في الأول يعانون من الوحل؛ لأن الأسواق طين تربص مع المطر فيحصل فيها الوحل والزلق، فيتعب الإنسان في الحضور إلى المسجد، فإذا حصل هذا فهو معذور)الممتع4/317 .
ودليله: عن نَافِعٌ، قَالَ: (أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: «أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ، أَوِ المَطِيرَةِ فِي السَّفَر)البخاري632مسلم697, وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: " إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ "، قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ، فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا، قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ»متفق عليه.
الرابع: أو مرض وكذا خائف حدوث مرض:
(ويعذر في تركهما المريض في قول عامة أهل العلم.
قال ابن المنذر: لا أعلم خلافا بين أهل العلم، أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض، وقد روى ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر. قالوا: وما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف أو مرض. لم تقبل منه الصلاة التي صلى» . رواه أبو داود, قال الألباني: الحديث صحيح بدون زيادة السؤال والجواب. وقد «كان بلال يؤذن بالصلاة ثم يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مريض فيقول: مروا أبا بكر فليصل بالناس»متفق عليه)المغني1/451 , قال العثيمين: (والمراد به: المرض الذي يلحق المريض منه مشقة لو ذهب يصلي وهذا هو النوع الأول.
ودليله:
1 ـ قول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16] .
2 ـ وقوله: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286] .
3 ـ وقوله تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} [الفتح: 17] .
4 ـ وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» .
ـ وأن النبي صلى الله عليه وسلم: «لما مرض تخلف عن الجماعة» مع أن بيته كان إلى جنب المسجد.
6 ـ وقول ابن مسعود رضي الله عنه: «لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض ... »مسلم(654) فكل هذه الأدلة تدل على أن المريض يسقط عنه وجوب الجمعة والجماعة.)الممتع4/317-318
قال البهوتي: {(ويعذر بترك جمعة وجماعة مريض) ؛.... وكذا خائف حدوث مرض}الروض المربع1/139 ,وقال الماوردي: {وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمَرِيضُ} بِلَا نِزَاعٍ، وَيُعْذَرُ أَيْضًا فِي تَرْكِهِمَا لِخَوْفِ حُدُوثِ الْمَرَضِ.}الانصاف للماوردي2/300 , وقال عبدالعزيز السلمان: (س357: ما مثال العذر الذي يبيح ترك جمعة وجماعة؟ وما مثال الشغل الذي يبيح ترك الجمعة والجماعة ويبيح وجودهما أو أحدهما الجمع بين الصلاتين؟
ج: مثال الأول: خوفه على نفسه، أو ماله أو حرمته، ومثال الثاني: من له شغل يخاف بتركه ضررًا في معيشته يحتاجها.}الاسئلة والاجوبة الفقهية1/202, قال ابن قدامة: (والخوف، ثلاثة أنواع؛ خوف على النفس، وخوف على المال، وخوف على الأهل. فالأول، أن يخاف على نفسه سلطانا، يأخذه أو عدوا، أو لصا، أو سبعا، أو دابة، أو سيلا، ونحو ذلك، مما يؤذيه في نفسه، وفي معنى ذلك.)المغني1/451
ولاسيما إن ثبت ذلك الخوف والتحذير من أهل الإختصاص وثبت بالتجربة واستقراء أحوال الناس معه, ويعتضد بأمر ولي أمر المسلمين, قال السرخسي:
{وكذلك إن أمروهم بشيء لا يدرون أينتفعون به أم لا، فعليهم أن يطيعوه، لأن فرضية الطاعة ثابتة بنص مقطوع به. وما تردد لهم من الرأي في أن ما أمر به منتفع أو غير منتفع به لا يصلح معارضا للنص المقطوع.}السير الكبير للسرخسي .
قال ابن القيم: (وفي المنع من الدخول إلى الأرض التي قد وقع بها عدة حكم:
أحدها: تجنب الأسباب المؤذية، والبعد منها.
الثاني: الأخذ بالعافية التي هي مادة المعاش والمعاد.
الثالث: ألايستنشقوا الهواء الدي قد عفن وفسد فيمرضون.
الرابع: ألايجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك، فيحصل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم.
وفي «سنن أبي داود» مرفوعا: «إن من القرف التلف» ضعفه الالباني سنن ابي دوود3923 .
قال ابن قتيبة: القرف مداناة الوباء، ومداناة المرضى.
الخامس: حمية النفوس عن الطيرة والعدوى، فإنها تتأثر بهما، فإن الطيرة على من تطير بها، وبالجملة ففي النهي عن الدخول في أرضه الأمر بالحذر والحمية، والنهي عن التعرض لأسباب التلف. وفي النهي عن الفرار منه الأمر بالتوكل، والتسليم، والتفويض، فالأول: تأديب وتعليم، والثاني: تفويض وتسليم.)الطب النبوي1/35, (والمقصود: أن فساد الهواء جزء من أجزاء السبب التام، والعلة الفاعلة للطاعون، فإن فساد جوهر الهواء الموجب لحدوث الوباء وفساده، يكون لاستحالة جوهره إلى الرداءة، لغلبة إحدى الكيفيات الرديئة عليه، كالعفونة، والنتن والسمية في أي وقت كان من أوقات السنة، وإن كان أكثر حدوته في أواخر الصيف، وفي الخريف غالبا لكثرة اجتماع الفضلات المرارية الحادة وغيرها في فصل الصيف، وعدم تحللها في آخره، وفي الخريف لبرد الجو، وردغة الأبخرة والفضلات التي كانت تتحلل في زمن الصيف، فتنحصر، فتسخن، وتعفن، فتحدث الأمراض العفنة، ولا سيما إذا صادفت البدن مستعدا، قابلا، رهلا، قليل الحركة، كثير المواد، فهذا لا يكاد يفلت من العطب.)الطب النبوي1/32.
ومن عظيم المنة على هذه الأمة جواز الصلاة في أي مكان من الأرض، حيث لم تكن جائزة عند الأمم السابقة إلا في المعابد والصوامع، فعن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً )البخاري335مسلم521, قال ابن حجر: (والأظهر ما قاله الخطابي وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم وهذا نص في موضع النزاع فثبتت الخصوصية ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث بن عباس نحو حديث الباب وفيه ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه)الفتح1/437-438.
الخامس: أو ضربه مظلوما****أو حبسه بالظلم أو عديما:
قال ابن قدامة: (ويعذر في تركهما الخائف؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «العذر خوف أو مرض» والخوف، ثلاثة أنواع؛ خوف على النفس، وخوف على المال، وخوف على الأهل. فالأول، أن يخاف على نفسه سلطانا، يأخذه أو عدوا، أو لصا، أو سبعا، أو دابة، أو سيلا، ونحو ذلك، مما يؤذيه في نفسه، وفي معنى ذلك. أن يخاف غريما له يلازمه ولا شيء معه يوفيه، فإن حبسه بدين هو معسر به ظلم له، فإن كان قادرا على أداء الدين لم يكن عذرا له، لأنه يجب إيفاؤه. وكذلك إن وجب عليه حد لله تعالى أو حد قذف، فخاف أن يؤخذ به، لم يكن عذرا، لأنه يجب إيفاؤه وهكذا إن تأخر عليه قصاص، لم يكن له عذر في التخلف من أجله. وقال القاضي: إن كان يرجو الصلح على مال فله التخلف، حتى يصالح، بخلاف الحدود، فإنها لا تدخلها المصالحة ولا العفو.
وحد العفو أن يرجى العفو عنه، فليس يعذر في التخلف؛ لأنه يرجو إسقاطه بغير بدل)المغني1/451, وقال العثيمين: (وهو: أن يخشى على نفسه من الأمور التي ذكرها المؤلف، من ضرر بأن كان عند بيته كلب عقور، وخاف إن خرج أن يعقره الكلب، فله أن يصلي في بيته ولا حرج عليه.
وكذلك لو فرض أن في طريقه إلى المسجد ما يضره، مثل: ألا يكون عنده حذاء، والطريق كله شوك أو كله قطع زجاج، فهذا يضره، فهو معذور بترك الجماعة والجمعة.
وكذلك لو كان فيه جروح وخاف على نفسه من رائحة يزيد بها جرحه فإنه يعذر بترك الجمعة والجماعة.
وقوله: «أو سلطان» يعني: إذا خاف على نفسه من سلطان مثل: أن يطلبه ويبحث عنه أمير ظالم له، وخاف إن خرج أن يمسكه ويحبسه أو يغرمه مالا أو يؤذيه، أو ما أشبه ذلك، ففي هذه الحال يعذر بترك الجمعة والجماعة؛ لأن في ذلك ضررا عليه، أما إذا كان السلطان يأخذه بحق فليس له أن يتخلف عن الجماعة ولا الجمعة، لأنه إذا تخلف أسقط حقين: حق الله في الجماعة والجمعة، والحق الذي يطلبه به السلطان.)الممتع4/317, وقال ايضا: (مما يعذر فيه بترك الجمعة والجماعة: بأن كان له غريم يطالبه ويلازمه، وليس عنده فلوس، فهذا عذر؛ وذلك لما يلحقه من الأذية لملازمة الغريم له، فإن كان معه شيء يستطيع أن يوفي به فليس له الحق في ترك الجمعة والجماعة؛ لأنه إذا تركهما في هذه الحال أسقط حقين: حق الله في الجماعة والجمعة، وحق الآدمي في الوفاء.
مسألة: إذا كان عليه دين مؤجل، لكن غريمه لازمه فهل له أن يتخلف؟
الجواب: ينظر؛ فإن كانت السلطة قوية بحيث لو اشتكاه على السلطة لمنعته منه، فهو غير معذور؛ لأن له الحق أن يقدم الشكوى إلى السلطة، أما إذا كانت السلطة ليست قوية، أو أنها تحابي الرجل فلا تمنعه من ملازمة غريمه، فهذا عذر بلا شك.)الممتع4/316
السادس: الهرم والزمن والاعمى:
قال النووي:(يجب على الزمن الجمعة إذا وجد مركوبا، ملكا أو بإجارة، أو إعارة ولم يشق عليه الركوب، وكذا الشيخ الضعيف. ويجب على الأعمى إذا وجد قائدا متبرعا، أو بأجرة، وله مال، وإلا فقد أطلق الأكثرون: أنها لا تجب عليه. وقال القاضي حسين: إن كان يحسن المشي بالعصا من غير قائد، لزمه.)روضة الطالبين2/36
السابع: أو أكله كالثوم****أو من يضر الناس كالمجذوم:
ودليله, عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يَعْنِي الثُّومَ - فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا)البخاري853مسلم561, وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا - أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا - وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ)البخاري855 .
قال العثيمين: (مسألة: الآكل للبصل؛ هل يعذر بترك الجمعة والجماعة؟
وهل يجوز له أن يأكل البصل أم لا؟
الجواب: إن قصد بأكل البصل أن لا يصلي مع الجماعة فهذا حرام ويأثم بترك الجمعة والجماعة، أما إذا قصد بأكله البصل التمتع به وأنه يشتهيه، فليس بحرام، كالمسافر في رمضان إذا قصد بالسفر الفطر حرم عليه السفر والفطر، وإن قصد السفر لغرض غير ذلك فله الفطر.
وأما بالنسبة لحضوره المسجد؛ فلا يحضر، لا لأنه معذور، بل دفعا لأذيته؛ لأنه يؤذي الملائكة وبني آدم.
أما الأعذار التي ذكرها المؤلف فهي أعذار تسوغ للإنسان أن يدع الجمعة والجماعة؛ لأنه متصف بما يعذر به أمام الله، أما من أكل بصلا أو ثوما فلا نقول إنه معذور بترك الجمعة والجماعة، ولكن لا يحضر دفعا لأذيته، فهنا فرق بين هذا وهذا، لأن هذا المعذور يكتب له أجر الجماعة كاملا إذا كان من عادته أن يصلي مع الجماعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما»البخاري(2996) أما آكل البصل والثوم فلا يكتب له أجر الجماعة؛ لأننا إنما قلنا له لا تحضر دفعا للأذية؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم»مسلم(564))الممتع4/322-323
وذكر أهل العلم أعذارا غير ذلك كثيرة, منها شدة النعاس, والسفر, وخوف فوات الرفقة للسفر وغير ذلك.
وينبغي على المسلم أن يعلق قلبه بالمسجد, حتى يكون ممن يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله, ونحن وقد ابتلينا بهذا البلاء وهذا الحرمان, من شهود الجمع والجماعات, ومرجع ذلك كله إلى الذنوب والاثام وانتشار الزناء والمنكرات, وقلت منكريها, فالواجب علينا الرجوع إلى الله والابتهال إليه بالدعاء والتضرع وكثرة الصلاة لاسيما في هذا الشهر المبارك, شهر رمضان, قال تعالى: { وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }البقرة(186).
وينبغي التنويه إلى أمر مهم, وتنبيه ولاة الأمور حفظهم الله إليه وهو الإبقاء والمحافظة على الشعائر الظاهرة, كالأذان, وأن يصلي المؤذن داخل المسجد بمن وافق معه من أصحاب النظافة وغيرهم, وغيرها من الشعائر الظاهرة.
وفي الأخير فإننا نسأل الله تبارك وتعالى أن يرفع عنا هذا البلاء, إنه على كل شي قدير.
والحمد لله على كل حال.
الأعذار المبيحة للتخلف من شهود الجمع والجماعات
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا ,من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, واشهد أن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, واشهد آن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون)
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)
(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
فان خير الحديث كتاب الله, و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار)) .
وبعد :
فإن كل من تدبر الشرائع، لا سيما شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وجد قضية التيسير فيها ظاهرة ظهور الشمس في رابعة النَّهَارَ ,ولهذا قال في آية الصيام: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}البقرة(185), وهذه هي الارادة الدينية وهي محبة المراد ورضاه ومحبة أهله والرضا عنهم وجزاهم بالحسنى, قال تعالى: { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج}المائدة(6). أي من ضيق في الدين، دليله قوله تعالى: { وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}الحج(78). وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِين)البخاري(220), وقال لمعاذ وأبي موسى: (يسرا ولا تعسرا) وقال: (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)النسائي(5034)صححه الالباني, وقال (لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني)متفق عليه, وقال: (إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)مسلم1115.
(وهو سبحانه يسقط الواجبات إذا خشي المريض زيادة في المرض أو تأخر البرء، فيسقط القيام في الصلاة، والصيام في شهره، والطهارة بالماء كذلك، بل المسافر مع تمكنه من الصيام أسقطه عنه في شهره، وقال: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} .)درء تعارض العقل والنقل8/478, قال العثيمين: (ومن القواعد المشهورة: المشقة تجلب التيسير، ولا شك أن الجمعة أوكد بكثير من الجماعة لإجماع المسلمين على أنها فرض عين؛ لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }الجمعة(9).
أما الجماعة فإنه سبق الخلاف فيها، وأن القول الراجح أنها فرض عين ، لكن آكديتها ليست كآكدية صلاة الجمعة، ومع ذلك تسقط هاتان الصلاتان للعذر.
ومن هذه الأعذار التي يسقط بهما هذا الفرض ما ذكره الأئمة في كتبهم ومن ذلك قول البشار في نظمه على موطأ مالك:
وعذرها المبيح للتخلـــــــــــــــــــــــف****عري وتمريض قريب مشـــرف
وكونه ينظر شأن المحتضـــــــــــــر****وكثرة الوحل وشدة المطــــــــــــر
أو مرض أو ضربه مظلــــــــــــــــوما****أو حبسه بالظلم أو عــــــــــديما
أو هرمه أو أكله كالثـــــــــــــــــــــــــوم****أو من يضر الناس كالمجذوم
ومثله الأعمى الذي لا يهتدي****بنفسه أو لم يجد من قائـــــــــد
وانت ستلحظ من هذه الأعذار, في أعظم ركن بعد الشهادتين ملحظا جميلا, وهو سماحة هذا الدين الذي يخاطب الناس كافة، بجميع أعراقهم وأطيافهم، في كل أرجاء الأرض، لا بد أن يتميز بصفات وخصائص تتناسب مع أحوال الناس وظروفهم في البلاد المتفرقة من العالم, قال تعالى: { وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ(28), فلا تخلو فريضة ولا شعيرة إلا وقد اكتسبت من ذلك التيسير ما يجعل الإنسان قادرًا على تطبيقها والقيام بها على الصورة التي أرادها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه عز وجل لا يكلف النفس فوق طاقتها أبدًا, قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}البقرة(286), وتتضح الصورة جلية بالمقارنة مع ما كانت عليه الأمم قبلنا, قال تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}الأعراف(157).
فتطبيق الدين, يحمل في طياته السعادة والعدالة, وينفي عنه الشقاء والعذاب, قال تعالى: { طه (1) مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى(2)}طه(1-2), أي لتتعب, فقبول الطاعة غير مرتبط بمدى التعب والنصب, ولكن أن تكون حيث أراد الله من إلتزام دينه القويم, فمهما أتعب الإنسان نفسه في غير ما أراد الله, فلا يجلب ذلك الرضا له, فعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» قَالَتْ: فُلاَنَةُ، تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا، قَالَ: («مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ )البخاري(43)مسلم(785), عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: (مَا هَذَا الحَبْلُ؟) قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ)البخاري(1150)مسلم(784)
فالأعذار التي ذكرها البشار هي:
الأول: العري:
قال النووي: (أن يكون عاريا لا لباس له، فيعذر في التخلف، سواء وجد ما يستر العورة، أم لا.)روضة الطالبين1/346
الثاني: تمريض قريب مشرف: وذلك لأن حرمة الآدمي آكد من حرمة الجماعة, ولقضية «عثمان حين أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرجوع لتجهيز زوجته بنت المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر وأسهم له» .
ومن فعل ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أنه ذُكِرَ لَهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَكَانَ بَدْرِيًّا، مَرِضَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ تَعَالَى النَّهَارُ، وَاقْتَرَبَتِ الجُمُعَةُ، وَتَرَكَ الجُمُعَةَ)البخاري(3990).
قال ابن قدامة: (أو يكون له قريب يخاف إن تشاغل بهما مات فلم يشهده. قال ابن المنذر ثبت أن ابن عمر استصرخ على سعيد بن زيد بعد ارتفاع الضحى فأتاه بالعقيق وترك الجمعة. وهذا مذهب عطاء، والحسن، والأوزاعي، والشافعي.)المغني1/451.
الثالث: وكثرة الوحل وشدة المطر:
الذي يبل الثياب، والوحل الذي يتأذى به في نفسه وثيابه, قال العثيمين: (فإذا خاف الأذى بمطر أو وحل، أي: إذا كانت السماء تمطر، وإذا خرج للجمعة أو الجماعة تأذى بالمطر فهو معذور.
والأذية بالمطر أن يتأذى في بل ثيابه أو ببرودة الجو، أو ما أشبه ذلك، وكذلك لو خاف التأذي بوحل، وكان الناس في الأول يعانون من الوحل؛ لأن الأسواق طين تربص مع المطر فيحصل فيها الوحل والزلق، فيتعب الإنسان في الحضور إلى المسجد، فإذا حصل هذا فهو معذور)الممتع4/317 .
ودليله: عن نَافِعٌ، قَالَ: (أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: «أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ، أَوِ المَطِيرَةِ فِي السَّفَر)البخاري632مسلم697, وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: " إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ "، قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ، فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا، قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ»متفق عليه.
الرابع: أو مرض وكذا خائف حدوث مرض:
(ويعذر في تركهما المريض في قول عامة أهل العلم.
قال ابن المنذر: لا أعلم خلافا بين أهل العلم، أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض، وقد روى ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر. قالوا: وما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف أو مرض. لم تقبل منه الصلاة التي صلى» . رواه أبو داود, قال الألباني: الحديث صحيح بدون زيادة السؤال والجواب. وقد «كان بلال يؤذن بالصلاة ثم يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مريض فيقول: مروا أبا بكر فليصل بالناس»متفق عليه)المغني1/451 , قال العثيمين: (والمراد به: المرض الذي يلحق المريض منه مشقة لو ذهب يصلي وهذا هو النوع الأول.
ودليله:
1 ـ قول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16] .
2 ـ وقوله: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286] .
3 ـ وقوله تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} [الفتح: 17] .
4 ـ وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» .
ـ وأن النبي صلى الله عليه وسلم: «لما مرض تخلف عن الجماعة» مع أن بيته كان إلى جنب المسجد.
6 ـ وقول ابن مسعود رضي الله عنه: «لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض ... »مسلم(654) فكل هذه الأدلة تدل على أن المريض يسقط عنه وجوب الجمعة والجماعة.)الممتع4/317-318
قال البهوتي: {(ويعذر بترك جمعة وجماعة مريض) ؛.... وكذا خائف حدوث مرض}الروض المربع1/139 ,وقال الماوردي: {وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمَرِيضُ} بِلَا نِزَاعٍ، وَيُعْذَرُ أَيْضًا فِي تَرْكِهِمَا لِخَوْفِ حُدُوثِ الْمَرَضِ.}الانصاف للماوردي2/300 , وقال عبدالعزيز السلمان: (س357: ما مثال العذر الذي يبيح ترك جمعة وجماعة؟ وما مثال الشغل الذي يبيح ترك الجمعة والجماعة ويبيح وجودهما أو أحدهما الجمع بين الصلاتين؟
ج: مثال الأول: خوفه على نفسه، أو ماله أو حرمته، ومثال الثاني: من له شغل يخاف بتركه ضررًا في معيشته يحتاجها.}الاسئلة والاجوبة الفقهية1/202, قال ابن قدامة: (والخوف، ثلاثة أنواع؛ خوف على النفس، وخوف على المال، وخوف على الأهل. فالأول، أن يخاف على نفسه سلطانا، يأخذه أو عدوا، أو لصا، أو سبعا، أو دابة، أو سيلا، ونحو ذلك، مما يؤذيه في نفسه، وفي معنى ذلك.)المغني1/451
ولاسيما إن ثبت ذلك الخوف والتحذير من أهل الإختصاص وثبت بالتجربة واستقراء أحوال الناس معه, ويعتضد بأمر ولي أمر المسلمين, قال السرخسي:
{وكذلك إن أمروهم بشيء لا يدرون أينتفعون به أم لا، فعليهم أن يطيعوه، لأن فرضية الطاعة ثابتة بنص مقطوع به. وما تردد لهم من الرأي في أن ما أمر به منتفع أو غير منتفع به لا يصلح معارضا للنص المقطوع.}السير الكبير للسرخسي .
قال ابن القيم: (وفي المنع من الدخول إلى الأرض التي قد وقع بها عدة حكم:
أحدها: تجنب الأسباب المؤذية، والبعد منها.
الثاني: الأخذ بالعافية التي هي مادة المعاش والمعاد.
الثالث: ألايستنشقوا الهواء الدي قد عفن وفسد فيمرضون.
الرابع: ألايجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك، فيحصل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم.
وفي «سنن أبي داود» مرفوعا: «إن من القرف التلف» ضعفه الالباني سنن ابي دوود3923 .
قال ابن قتيبة: القرف مداناة الوباء، ومداناة المرضى.
الخامس: حمية النفوس عن الطيرة والعدوى، فإنها تتأثر بهما، فإن الطيرة على من تطير بها، وبالجملة ففي النهي عن الدخول في أرضه الأمر بالحذر والحمية، والنهي عن التعرض لأسباب التلف. وفي النهي عن الفرار منه الأمر بالتوكل، والتسليم، والتفويض، فالأول: تأديب وتعليم، والثاني: تفويض وتسليم.)الطب النبوي1/35, (والمقصود: أن فساد الهواء جزء من أجزاء السبب التام، والعلة الفاعلة للطاعون، فإن فساد جوهر الهواء الموجب لحدوث الوباء وفساده، يكون لاستحالة جوهره إلى الرداءة، لغلبة إحدى الكيفيات الرديئة عليه، كالعفونة، والنتن والسمية في أي وقت كان من أوقات السنة، وإن كان أكثر حدوته في أواخر الصيف، وفي الخريف غالبا لكثرة اجتماع الفضلات المرارية الحادة وغيرها في فصل الصيف، وعدم تحللها في آخره، وفي الخريف لبرد الجو، وردغة الأبخرة والفضلات التي كانت تتحلل في زمن الصيف، فتنحصر، فتسخن، وتعفن، فتحدث الأمراض العفنة، ولا سيما إذا صادفت البدن مستعدا، قابلا، رهلا، قليل الحركة، كثير المواد، فهذا لا يكاد يفلت من العطب.)الطب النبوي1/32.
ومن عظيم المنة على هذه الأمة جواز الصلاة في أي مكان من الأرض، حيث لم تكن جائزة عند الأمم السابقة إلا في المعابد والصوامع، فعن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً )البخاري335مسلم521, قال ابن حجر: (والأظهر ما قاله الخطابي وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم وهذا نص في موضع النزاع فثبتت الخصوصية ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث بن عباس نحو حديث الباب وفيه ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه)الفتح1/437-438.
الخامس: أو ضربه مظلوما****أو حبسه بالظلم أو عديما:
قال ابن قدامة: (ويعذر في تركهما الخائف؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «العذر خوف أو مرض» والخوف، ثلاثة أنواع؛ خوف على النفس، وخوف على المال، وخوف على الأهل. فالأول، أن يخاف على نفسه سلطانا، يأخذه أو عدوا، أو لصا، أو سبعا، أو دابة، أو سيلا، ونحو ذلك، مما يؤذيه في نفسه، وفي معنى ذلك. أن يخاف غريما له يلازمه ولا شيء معه يوفيه، فإن حبسه بدين هو معسر به ظلم له، فإن كان قادرا على أداء الدين لم يكن عذرا له، لأنه يجب إيفاؤه. وكذلك إن وجب عليه حد لله تعالى أو حد قذف، فخاف أن يؤخذ به، لم يكن عذرا، لأنه يجب إيفاؤه وهكذا إن تأخر عليه قصاص، لم يكن له عذر في التخلف من أجله. وقال القاضي: إن كان يرجو الصلح على مال فله التخلف، حتى يصالح، بخلاف الحدود، فإنها لا تدخلها المصالحة ولا العفو.
وحد العفو أن يرجى العفو عنه، فليس يعذر في التخلف؛ لأنه يرجو إسقاطه بغير بدل)المغني1/451, وقال العثيمين: (وهو: أن يخشى على نفسه من الأمور التي ذكرها المؤلف، من ضرر بأن كان عند بيته كلب عقور، وخاف إن خرج أن يعقره الكلب، فله أن يصلي في بيته ولا حرج عليه.
وكذلك لو فرض أن في طريقه إلى المسجد ما يضره، مثل: ألا يكون عنده حذاء، والطريق كله شوك أو كله قطع زجاج، فهذا يضره، فهو معذور بترك الجماعة والجمعة.
وكذلك لو كان فيه جروح وخاف على نفسه من رائحة يزيد بها جرحه فإنه يعذر بترك الجمعة والجماعة.
وقوله: «أو سلطان» يعني: إذا خاف على نفسه من سلطان مثل: أن يطلبه ويبحث عنه أمير ظالم له، وخاف إن خرج أن يمسكه ويحبسه أو يغرمه مالا أو يؤذيه، أو ما أشبه ذلك، ففي هذه الحال يعذر بترك الجمعة والجماعة؛ لأن في ذلك ضررا عليه، أما إذا كان السلطان يأخذه بحق فليس له أن يتخلف عن الجماعة ولا الجمعة، لأنه إذا تخلف أسقط حقين: حق الله في الجماعة والجمعة، والحق الذي يطلبه به السلطان.)الممتع4/317, وقال ايضا: (مما يعذر فيه بترك الجمعة والجماعة: بأن كان له غريم يطالبه ويلازمه، وليس عنده فلوس، فهذا عذر؛ وذلك لما يلحقه من الأذية لملازمة الغريم له، فإن كان معه شيء يستطيع أن يوفي به فليس له الحق في ترك الجمعة والجماعة؛ لأنه إذا تركهما في هذه الحال أسقط حقين: حق الله في الجماعة والجمعة، وحق الآدمي في الوفاء.
مسألة: إذا كان عليه دين مؤجل، لكن غريمه لازمه فهل له أن يتخلف؟
الجواب: ينظر؛ فإن كانت السلطة قوية بحيث لو اشتكاه على السلطة لمنعته منه، فهو غير معذور؛ لأن له الحق أن يقدم الشكوى إلى السلطة، أما إذا كانت السلطة ليست قوية، أو أنها تحابي الرجل فلا تمنعه من ملازمة غريمه، فهذا عذر بلا شك.)الممتع4/316
السادس: الهرم والزمن والاعمى:
قال النووي:(يجب على الزمن الجمعة إذا وجد مركوبا، ملكا أو بإجارة، أو إعارة ولم يشق عليه الركوب، وكذا الشيخ الضعيف. ويجب على الأعمى إذا وجد قائدا متبرعا، أو بأجرة، وله مال، وإلا فقد أطلق الأكثرون: أنها لا تجب عليه. وقال القاضي حسين: إن كان يحسن المشي بالعصا من غير قائد، لزمه.)روضة الطالبين2/36
السابع: أو أكله كالثوم****أو من يضر الناس كالمجذوم:
ودليله, عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يَعْنِي الثُّومَ - فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا)البخاري853مسلم561, وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا - أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا - وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ)البخاري855 .
قال العثيمين: (مسألة: الآكل للبصل؛ هل يعذر بترك الجمعة والجماعة؟
وهل يجوز له أن يأكل البصل أم لا؟
الجواب: إن قصد بأكل البصل أن لا يصلي مع الجماعة فهذا حرام ويأثم بترك الجمعة والجماعة، أما إذا قصد بأكله البصل التمتع به وأنه يشتهيه، فليس بحرام، كالمسافر في رمضان إذا قصد بالسفر الفطر حرم عليه السفر والفطر، وإن قصد السفر لغرض غير ذلك فله الفطر.
وأما بالنسبة لحضوره المسجد؛ فلا يحضر، لا لأنه معذور، بل دفعا لأذيته؛ لأنه يؤذي الملائكة وبني آدم.
أما الأعذار التي ذكرها المؤلف فهي أعذار تسوغ للإنسان أن يدع الجمعة والجماعة؛ لأنه متصف بما يعذر به أمام الله، أما من أكل بصلا أو ثوما فلا نقول إنه معذور بترك الجمعة والجماعة، ولكن لا يحضر دفعا لأذيته، فهنا فرق بين هذا وهذا، لأن هذا المعذور يكتب له أجر الجماعة كاملا إذا كان من عادته أن يصلي مع الجماعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما»البخاري(2996) أما آكل البصل والثوم فلا يكتب له أجر الجماعة؛ لأننا إنما قلنا له لا تحضر دفعا للأذية؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم»مسلم(564))الممتع4/322-323
وذكر أهل العلم أعذارا غير ذلك كثيرة, منها شدة النعاس, والسفر, وخوف فوات الرفقة للسفر وغير ذلك.
وينبغي على المسلم أن يعلق قلبه بالمسجد, حتى يكون ممن يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله, ونحن وقد ابتلينا بهذا البلاء وهذا الحرمان, من شهود الجمع والجماعات, ومرجع ذلك كله إلى الذنوب والاثام وانتشار الزناء والمنكرات, وقلت منكريها, فالواجب علينا الرجوع إلى الله والابتهال إليه بالدعاء والتضرع وكثرة الصلاة لاسيما في هذا الشهر المبارك, شهر رمضان, قال تعالى: { وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }البقرة(186).
وينبغي التنويه إلى أمر مهم, وتنبيه ولاة الأمور حفظهم الله إليه وهو الإبقاء والمحافظة على الشعائر الظاهرة, كالأذان, وأن يصلي المؤذن داخل المسجد بمن وافق معه من أصحاب النظافة وغيرهم, وغيرها من الشعائر الظاهرة.
وفي الأخير فإننا نسأل الله تبارك وتعالى أن يرفع عنا هذا البلاء, إنه على كل شي قدير.
والحمد لله على كل حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق