خطبة مكتوبة: بعنوان (نفس الله من قبل اليمن)...بقلم أبي عبدالله فهمي البوري
خطبة جمعة
نفس الله من قبل اليمن
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله
من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا ,من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له,
واشهد أن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, واشهد آن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا
وانتم مسلمون)
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق
منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن
الله كان عليكم رقيبا)
(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح
لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
فان خير الحديث كتاب الله, و خير الهدي هدي محمد صلى
الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة و كل ضلالة
في النار)) .
وبعد :
يقول تعالى في كتابه الكريم: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ
وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3)}النصر(1-3)
قال عكرمة ومقاتل: أراد بالناس أهل اليمن. وذلك أنه ورد
من اليمن سبعمائة إنسان مؤمنين طائعين، بعضهم يؤذنون، وبعضهم يقرءون القرآن،
وبعضهم يهللون، فسر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، وبكى عمر وابن عباس. وروى
عكرمة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَرَأَ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَجَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ رَقِيقَةٌ
أَفْئِدَتُهُمْ، لَيِّنَةٌ طِبَاعُهُمْ، سَخِيَّةٌ قُلُوبُهُمْ، عَظِيمَةٌ
خَشْيَتُهُمْ، فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا). وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ
أَفْئِدَةً الْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة), عَنْ مُحَمَّدٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ
اللهِ وَالْفَتْحُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَاكُمْ
أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ قُلُوبًا، الْإِيمَانُ يَمَانٍ، الْفِقْهُ
يَمَانٍ، الْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ) "تفسير عبد الرزاق" 2/404 وإسناده
صحيح على شرط الشيخين. محمد: هو ابن سيرين البصري.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ
يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ
يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ
فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}المائدة(54)
فقوله تعالى:" (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه)
" في موضع النعت. قال الحسن وقتادة وغيرهما: نزلت في أبي بكر الصديق وأصحابه.
وقال السدي: نزلت في الأنصار. وقيل: هي إشارة إلى قوم لم يكونوا موجودين في ذلك
الوقت، وأن أبا بكر قاتل أهل الردة بقوم لم يكونوا وقت نزول الآية، وهم أحياء من
اليمن من كندة وبجيلة، ومن أشجع. وقيل: إنها نزلت في الأشعريين، ففي الخبر أنها
لما نزلت قدم بعد ذلك بيسير سفائن الأشعريين، وقبائل اليمن من طريق البحر، فكان
لهم بلاء في الإسلام في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت عامة فتوح العراق
في زمن عمر رضي الله عنه على يدي قبائل اليمن، هذا أصح ما قيل في نزولها. والله
أعلم."القرطبي6/220
وروى الطبراني في المعجم الكبير عن سَلَمَةُ بْنُ
نُفَيْلٍ السَّكُونِيُّ، قَالَ: دَنَوْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى كَادَتْ رُكْبَتَايَ تَمَسَّانِ فَخِدَهُ، فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللهِ، تُرِكَتِ الْخَيْلُ، وَأُلْقِيَ السِّلَاحُ، وَزَعَمَ أَقْوَامٌ
أَنْ لَا قِتَالَ فَقَالَ: (كَذَبُوا، الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ، لَا تَزَالُ مِنْ
أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ عَلَى الْحَقِّ، ظَاهِرَةٌ عَلَى النَّاسِ، يُزِيغُ
اللهُ قُلُوبَ قَوْمٍ قَاتَلُوهُمْ لِيَنَالُوا مِنْهُمْ) ، وَقَالَ وَهُوَ مُوَلٍّ
ظَهْرَهُ إِلَى الْيَمَنِ: (إِنِّي أَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمَنِ مِنْ هَهُنَا،
وَلَقَدْ أَوْحَيَ إِلَيَّ مَكْفُوتٌ غَيْرُ مُلَبَّثٍ، وَتَتْبَعُونِي أَفْنَادًا)السلسلة
الصحيحة(3367).
قوله: "(اليمن): البركة؛
اليمن: خلاف الشؤم، قال الجوهري: يمن فلان على قومه، فهو ميمون إذا صار مباركا
عليهم، ويمنهم، فهو يامن، مثل شئم وشأم. وتيمنت به: تبركت. والأيامن: خلاف
الأشائم؛ قال المرقش، ويروى لخزز بن لوذان.
لا يمنعنك، مـــــــــــن بغاء ... الخير، تعقاد التمائـــــــــم
وكذاك لا شــــــــــــــــــــــر ولا ... خير، على أحد، بدائم
ولقد غدوت، وكنت لا ... أغدو على واق وحائم
فإذا الأشائم كالأيامـن، ... والأيامــــــــــــــن كالأشائم
وقول الكميت:
ورأت قضاعة في الأيامن ... رأي مثبور وثابر" لسن العرب13/458
قيل: (سميت اليمن لأنها عن يمين الكعبة هو
قول أبي عبيدة قاله في تفسير الواقعة وروى عن قطرب قال إنما سمي اليمن يمنا ليمنه
والشام شأما لشؤمه وقال الهمداني في الأنساب لما ظعنت العرب العاربة أقبل بنو قطن
بن عامر فتيامنوا فقالت العرب تيامنت بنو قطن فسموا اليمن وتشاءم الآخرون فسموا
شاما وقيل إن الناس لما تفرقت ألسنتهم حين تبلبلت ببابل أخذ بعضهم عن يمين الكعبة
فسموا يمنا وأخذ بعضهم عن شمالها فسموا شاما وقيل إنما سميت اليمن بيمن بن قحطان
وسميت الشام بسام بن نوح وأصله شام بالمعجمة ثم عرب بالمهملة)الفتح1/208
والنفس: خروج الريح من الأنف والفم، والجمع
أنفاس. وكل تروح بين شربتين نفس. والتنفس: استمداد النفس، وقد تنفس الرجل وتنفس
الصعداء، وكل ذي رئة متنفس، ودواب الماء لا رئات لها. وفي الحديث عَنْ أَبِي قَتَادَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ
فِي الإِنَاءِ)البخاري153مسلم267 ,وهذا غير مراد, لأنه ممتنع عن الصفة أن تتحدد
بموضع , وإنما النفس في هذا الحديث اسم وضع موضع المصدر الحقيقي من نفس ينفس
تنفيسا ونفسا، كما يقال فرج يفرج تفريجا وفرجا، كأنه قال: أجد تنفيس ربكم من قبل
اليمن, فالمصدر تنفيس والنفس اسمه. وهذا نظير قوله عليه الصلاة والسلام (لَا
تسبُّوا الرِّيحَ فإِنها مِنْ نَفَس الرَّحْمَنِ) فمعناه على هذا الوجه أن الريح
مما يفرج الله عز وجل بها عن المكروب والمغموم, وينشر الغيث ويذهب الجدب، وقيل:
معناه أي مما يوسع بها على الناس , (ومن نفس الريح أنها إذا ذهبت في البلد الحار
والهواجر أذهبت الوباء وأطالت للمسافر السير وإذا هبت في بعض الأوقات أنشأت السحاب
وإذا هبت في بعضها ألقحت الأشجار بإذن الله عز وجل وذلك قوله عز ذكره {وأرسلنا
الرياح لواقح}
وكانت العرب تقول
إذا كثرت الرياح كثر الخصب والخير وإذا تنسم
الريح عليل أو محزون وجد لنسيمها خفة وفرجا مما يجد وينشدون في ذلك قول الشاعر
(فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت ... على نفسي محزون تجلت همومها)
وقال بعض العرب
هجمت على بطن واد بين جبلين فما رأيت واديا
اخصب منه وإذا وجوه أهله بهيجة وألوانهم مصفرة فقلت لهم
واديكم اخصب واد وأنتم لا تشبهون أهل الخصب
فقال لي شيخ منهم ليس لنا ريح وهذا مما يبين
أن الله عز وجل جعل في مهب الريح نفسا على معنى التنفيس والتفريج عن المكروب والمهموم
المشتملة على القلوب وقرن بمهب بعضها الخير ,وقد روي في الخبر أن الله سبحانه فرج عن نبيه
عليه الصلاة والسلام بالريح يوم الأحزاب فقال سبحانه { فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم
ريحًا وجنودا لم تَرَوْهَا})مشكل الحديث وبيانه1/195.
وأما قوله (مِنْ هَهُنَا): يريد اليمن
(ففيه تأويلان: أحدهما: أنه الفرج، لتتابع
إسلامهم أفواجا. والثاني: معناه أن الله تعالى نفس الكرب عن نبيه صلى الله عليه
وسلم بأهل اليمن، وهم الأنصار.)القرطبي20/231 , وهذا في حياته صلى الله عليه وسلم,
ثم لا زال التنفيس من أهل اليمن بعد وفاته فكانت عامة فتوح العراق في زمن عمر رضي الله عنه على يدي قبائل اليمن, فكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يمدح أهل اليمن,
ويصفهم بالرقة ولين الطبع فقوله: (الايمان يمان) (يشمل من ينسب إلى اليمن بالسكنى
وبالقبيلة لكن كون المراد به من ينسب بالسكنى أظهر بل هو المشاهد في كل عصر من
أحوال سكان جهة اليمن وجهة الشمال فغالب من يوجد من جهة اليمن رقاق القلوب
والأبدان وغالب من يوجد من جهة الشمال غلاظ القلوب والأبدان وقد قسم في حديث أبي
مسعود أهل الجهات الثلاثة اليمن والشام والمشرق ولم يتعرض للمغرب)الفتح8/99
.
والناظر في أحوال أهل اليمن اليوم يجدهم من
أكثر الشعوب رقة وإسلاما وإيمانا وإقبال على ربهم فما أكثر ,مساجدهم وما أكثر
عامريها, وما أشد ترابطهم وما أكثر غيرتهم على حريمهم, وما أكثر ما مرت بهم من أعاصير الفتن, فما شغلتهم عن صلاة ولا صيام ولا
سائر فرائض الإسلام , فصبرا أهل اليمن فالموعد الحوض. فعَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ
نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي
أَذُودُ النَّاسَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ
عَلَيْهِمْ» . فَسُئِلَ عَنْ عَرْضِهِ فَقَالَ: «مِنْ مَقَامِي إِلَى عَمَّانَ»
وَسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ فَقَالَ: «أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى
مِنَ الْعَسَلِ، يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ،
أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالْآخَرُ مِنْ وَرِقٍ)مسلم2301 ,قال الإمام النووي: (معناه
أطرد الناس عنه غير أهل اليمن ليرفض على أهل اليمن وهذه كرامة لأهل اليمن في
تقديمهم في الشرب منه مجازاة لهم بحسن صنيعهم وتقدمهم في الإسلام والأنصار من
اليمن فيدفع غيرهم حتى يشربوا كما دفعوا في الدنيا عن النبي صلى الله عليه وسلم
أعداءه والمكروهات ومعنى يرفض عليهم أي يسيل عليهم)شرح مسلم15/62
والحمدلله.
جزاك الله خيرا يا ابى عبدلله ......اللهم فرج على أهل اليمن كربتهم
ردحذفسلمت يداك يا أبو عبدالله ... سلمت من كل شر ومكروه
ردحذف