جاري تحميل ... صقر الفوايد والشرايد

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

مقال:بعنوان وقفات مع تفسير القرطبي في قصة نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام "الوقفة الأولى" بقلم أبي عبدالله فهمي البوري


وقفات مع تفسير القرطبي
في قصة نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام

قال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)}ص(41-44)
الوقفة الأولى:
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ"
أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم في الصبر على المكاره. والمقصود من ذكر هذه القصص الاعتبار وأخذ العظة والفكرة, قال تعالى: { لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ}يوسف111 , ولاسيما قصص القرآن قال تعالى: { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَق}آل عمران(63). كأن الله تعالى قال: يا محمد اصبر على سفاهة قومك فإنه ما كان في الدنيا أكثر نعمة ومالا وجاها من داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام، وما كان أكثر بلاء ومحنة من أيوب، فتأمل في أحوال هؤلاء لتعرف أن أحوال الدنيا لا تنتظم لأحد، وأن العاقل لا بد له من الصبر على المكاره. ومن تفكر في عواقب الدنيا، أخذ الحذر، ومن أيقن بطول الطريق، تأهب للسفر.
كأنك لم تسمع بأخبار من مضى ... ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم ... محاها مجال الريح بعدهم والقبر
وحقيقة الصبر أنه خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل فعله من العاقل, وقيل الصبر المقام على البلاء بحسن الصحبة كالمقام مع العافية ومعنى هذا أن لله على العبد عبودية في عافيته وفي بلائه فعليه أن يحسن صحبة العافية بالشكر وصحبة البلاء بالصبر, والصبر ثلاث: صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها ، وصبر على الطاعة حتى يردها بحسن أدائها  ، وصبر عن المعصية حتى يردها بحسن إجتنابها ،وفي الحديث: عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ)مسلم2999
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (إِنَّ أَفْضَلَ عَيْشٍ أَدْرَكْنَاهُ بِالصَّبْرِ، وَلَوْ أَنَّ الصَّبْرَ كَانَ مِنَ الرِّجَالِ كَانَ كَرِيمًا).
واعلم أنه ليس في التكليف أصعب من الصبر على القضاء، ولا فيه أفضل من الرضا به. فأما الصبر، فهو فرض، وأما الرضا، فهو فضل, وإنما صعب الصبر؛ لأن القدر يجري في الأغلب بمكروه النفس، والنفس لا تشعر بالنعمة حال العافية, وإنما حال فقدها, فتضطرب حينها, وتسمع أنينها, ولا توازن بين ما استمرت عليه دهرا, وما آلت اليه قهرا قل أو كثرا, وما تمخض من المكروه على النفس من المرض والأذى في البدن، والقلب, من عظيم الاجر والعافية حالا أو مآلا قال تعالى: { ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم(41) .
ومما يداوي هذا الداء إعمال العقل والنقل, فأما النقل فبالنظر إلى آي الكتاب والسنة , فمن الكتاب فبالنظر الى جهتين:
الأولى: جهة السبب في تمكن المؤذي وتسلطه, والإملاء له قال تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}ال عمران(178)، وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا}الإسراء:(16) وفي القرآن من هذا كثير, بمعنى أننا لا نعطيهم ذلك العطاء ولا نمكنهم ذلك التمكين رضا بهم أو محبة, ولكن ليتمادوا فيما هم فيه, ويزدادوا ظلما على ماهم عليه فيحق عليهم العذاب, فلا يغتر مغتر بما هم فيه قال تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197)}ال عمران(196-197), وقال تعالى:{ وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }هود(102).
الثانية:جهة السبب في إبتلاء المؤمن بما ظاهره الضر وفي باطنه العافية لمن صبر, قال تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }البقرة(214), وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }ال عمران(142).
وأما السنة فمن الحال والمقال, فأما الحال فإن النبي صلى عليه وسلم كان من أشد الناس إبتلاء, شتم وسحر وأدمي, وفقد الولد وفقد الزوج وعاش الفقر, وهو أشرف من وطأ بقدمه الأرض فعن أَبُي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ»مسلم(2278)., وأما القول، فكقوله عليه الصلاة والسلام: من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ، دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: (أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟) فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: (أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟) قَالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، كَانَ عَيْبًا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: (فَوَاللهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ، مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ)مسلم (2957) ،
 وكقوله صلى الله عليه وسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه (لو أن الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرًا منها شربة ماء)صححه الألباني.
وأما العقل فبإعماله في التفكر في عواقب الأمور, من أن البسط يورث العذاب الأليم , والقبض يورث جنات النعيم, فلا يمكن نيل الشهادة إلا بتمكن ضربة من كافر , فعمر رضي الله عنه طلب الشهادة في المدينة فأنبسطت إليه يد أبي لؤلؤة المجوسي, وإلى علي رضي الله عنه يد ابن ملجم.
فإذا تقرر ذلك فالواجب عدم النظر إلى القدر ولا إلى السبب , ولكن إلى الذي قدر ذلك وأجرى له أسبابه, عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ) قُلْنَا: لاَ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: (لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)البخاري5999مسلم2754. فتصبر النفس على البلاء إيثارا لما يريد. وينشأ الرضا عن القضاء، وكما قيل لبعض أهل البلاء: ادع الله بالعافية! فقال: أحبه إلي أحبه إلى الله عز وجل!!
إن كان رضاكم في سهري ... فسلام الله على وسني
وإن ما نشهده اليوم من الابتلاء بالطاعون والوباء ما هو إلا تمحيص لأهل الأيمان تعقبه العافية, ومحق لأهل الكفر والنفاق تعقبه الهاوية إلا من شاء الله له الهداية قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)}ال عمران(141-142). فأعمل ما مضى في كل بلاء تجد برده على قلبك والرضاء من نفسك, وكما قيل:
حسبي من الحب أني ... لما تحب أحب
فإذا عظمت المعرفة بالله هانت دونها كل بليه وانحلت منها كل قضية وكما قيل:
إذا صح منك الود فالكل هين...وكل الذي فوق التراب تراب
قال القرطبي: " أيوب" بدل." والبدَل - معناه العوضُ - وهو تابع مسبوق باسم قبلهُ، وهو ثلاثة أنواع:
بدلُ كل منْ كلَّ، وبدل بعضٍ من كل، وبدل اشتمال.
الكلُّ من كل: هو المساوي لما قبله في المعنى كقولك: راجع الدرس درس القواعد.
البعض من كل: هو بدل الجزء من الكل نحو: أكلت الرغيف ثلثَه، وأعجبني عمرو لفظهُ.
بدل الاشتمال: ما يدل على معنى في متبوعه على جهة الإجمال نحو: يسعك الرئيس عفوه.
وقال بعضهم "أيوب" عطف بيان وعطف البيان: عرفوه بأنه تابع يشبه الصفة أي النعت كاللقب بعد الاسم نحو: عليَّ زين العابدين. والاسم بعد اللقب نحو: أبو حفص عمرُ.


 .    


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

مدونة صقر الفوايد والشرايد. هى مدونة عربية يمنية مهتمة بمجال العلوم الاسلامية, تقدم شروحات وخطب ومقالات حصرية فى هذا المجال , كما توجد ايضا اقسام متنوعة فى عدد من المجالات الاخرى , وايضا المدونة تجد فى العديد من الشروحات فى مجال تربية الناشئة وايضا نقدم بعض الطرق للسير في هذه الدعوة الى الله على نور وبصيرة من الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح , تم انشاء المدونة بداية العام 1441ه