خطبة مكتوبة:بعنوان الطاعون... بقلم: ابي عبدالله فهمي البوري
خطبة جمعة
الطاعون
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله
من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا ,من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له,
واشهد أن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, واشهد آن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا
وانتم مسلمون)
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق
منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن
الله كان عليكم رقيبا)
(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا .
يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
فان خير الحديث كتاب الله, و خير الهدي هدي محمد صلى
الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة و كل ضلالة
في النار)) .
وبعد :
قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ
الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}البقرة(155) , والبلاء يكون حسنا ويكون سيئا. قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ
بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ}الأنبياء(35), فربنا أبان لنا في كتابه أنه يبتلي عباده بصنوف من الابتلاء, وذلك لما
يسفر عن الابتلاء, من صدق صاحبه وصبره وعليه يكون الجزاء, (وقيل: إنما ابتلوا بهذا ليكون آية لمن بعدهم فيعلموا أنهم
إنما صبروا على هذا حين وضح لهم الحق. وقيل: أعلمهم بهذا ليكونوا على يقين منه أنه
يصيبهم، فيوطنوا أنفسهم عليه فيكونوا أبعد لهم من الجزع، وفيه تعجيل ثواب الله
تعالى على العزم وتوطين النفس)القرطبي2/173.
ومن هذا الابتلاء نقص الأنفس, قال
ابن عباس: بالقتل والموت في الجهاد. وقال الشافعي: يعني بالأمراض, وقال ابن
عطية بالموت والقتل, ومن ذلك الطواعين والأوبئة التي تحدث موتا ذريعا, ونقصا في
الأنفس كثيرا, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تعريف الطاعون:
قال الجوهري: والطاعون بوزن فاعول من الطعن
عدلوا به عن أصله ووضعوه دالا على الموت العام كالوباء ويقال طعن فهو مطعون وطعين
إذا أصابه الطاعون وإذا أصابه الطعن بالرمح فهو مطعون.
وقال أبو بكر بن العربي: الطاعون الوجع
الغالب الذي يطفئ الروح كالذبحة سمي بذلك لعموم مصابه وسرعة قتله وقال أبو الوليد
الباجي هو مرض يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات بخلاف المعتاد من أمراض الناس
ويكون مرضهم واحدا بخلاف بقية الأوقات فتكون الأمراض مختلفة.
فبين الوباء والطاعون عموم وخصوص, فكل طاعون وباء وليس
كل وباء طاعون, ويدل على ذلك أن وباء الشام الذي وقع في
عمواس إنما كان طاعونا وما ورد في الحديث أن الطاعون وخز الجن, عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ لاَ يَدْخُلُهَا
الطَّاعُونُ، وَلاَ الدَّجَّالُ»البخاري1880, وأن الطاعون لا يدخل المدينة وقد جاء في
حديث عائشة قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله وفيه قول بلال أخرجونا إلى أرض الوباء
وما من حديث أبي الأسود قدمت المدينة في خلافة عمر وهم يموتون موتا ذريعا و في
حديث العرنيين في أنهم استوخموا المدينة وفي لفظ أنهم قالوا إنها أرض وبئة فكل ذلك
يدل على أن الوباء كان موجودا بالمدينة وقد صرح الحديث الأول بأن الطاعون لا يدخلها فدل على أن الوباء غير الطاعون وأن من أطلق
على كل وباء طاعونا فبطريق المجاز,فخصوصية الطاعون هو قروح تخرج في المغابن والآباط
قلما يلبث صاحبها .
أسباب الطاعون والأوبئة:
نعلم أولا أن الطاعون داء قديم ظهر في الأمم السابقة عَنْ
عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ
يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: (قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ
عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُم)مسلم2218., فكان في الامم السابقة عذاب وعلى المؤمنين رحمة فعن عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَقَالَ: «كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ
اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)البخاري6619, وثانيا أنه قدر الله فإذا نزل فلا رافع له إلا هو ولا مفر منه إلا إليه
قال تعالى: { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}الأحزاب(38), فعَنْ أَبِي عِنَبَةَ
الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسِ خَوْلَانَ فِي الْمَسْجِدِ جَالِسًا،
فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هَارِبًا مِنَ الطَّاعُونَ،
فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: خَرَجَ يَتَزَحْزَحُ هَارِبًا مِنَ الطَّاعُونِ ،
فَقَالَ: " إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، مَا كُنْتُ أَرَى
أَنِّي أَبْقَى حَتَّى أَسْمَعَ بِمِثْلِ هَذَا، أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ
خِلَالٍ كَانَ عَلَيْهَا إِخْوَانُكُمْ: أَوَّلُهَا لِقَاءُ اللَّهِ كَانَ أَحَبَّ
إِلَيْهِمْ مِنَ الشَّهْدِ، وَالثَّانِيَةُ لَمْ يَكُونُوا يَخَافُونَ عَدُوًّا
قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا، وَالثَّالِثَةُ لَمْ يَكُونُوا يَخَافُونَ عَوَزًا مِنَ
الدُّنْيَا، كَانُوا وَاثِقِينَ بِاللَّهِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ، وَالرَّابِعَةُ إِنْ
نَزَلَ بِهِمُ الطَّاعُونَ لَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِمْ مَا
قَضَى "(الزهد والرقائق لابن
المبارك 1/184),و للطواعين
والأوبئة أسباب منها:
·
انتشار الفاحشة والإعلان بها:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: (أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا
ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ
الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ
الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ
الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا
أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ
عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ
مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا
عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا
مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ
أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ،
إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ)ابن ماجة(4019)حسنه الألباني
·
وخز الجن:
وهذا أخص في باب الطاعون,"كما
ثبت في الأحاديث الواردة في ذلك منها حديث أبي موسى رفعه (فناء أمتي بالطعن
والطاعون قيل يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال وخز أعدائكم من
الجن وفي كل شهادة) أخرجه أحمد من رواية زياد بن علاقة عن رجل عن أبي موسى وفي
رواية له عن زياد حدثني رجل من قومي قال كنا على باب عثمان ننتظر الإذن فسمعت أبا
موسى قال زياد فلم أرض بقوله فسألت سيد الحي فقال صدق وأخرجه البزار والطبراني من
وجهين آخرين عن زياد فسميا المبهم يزيد بن الحارث وسماه أحمد في رواية أخرى أسامة
بن شريك فأخرجه من طريق أبي بكر النهشلي عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال
خرجنا في بضع عشرة نفسا من بني ثعلبة فإذا نحن بأبي موسى ولا معارضة بينه وبين من
سماه يزيد بن الحارث لأنه يحمل على أن أسامة هو سيد الحي الذي أشار إليه في
الرواية الأخرى واستثبته فيما حدثه به الأول وهو يزيد بن الحارث ورجاله رجال
الصحيحين إلا المبهم وأسامة بن شريك صحابي مشهور والذي سماه وهو أبو بكر النهشلي
من رجال مسلم فالحديث صحيح بهذاالاعتبار وقد صححه بن خزيمة والحاكم وأخرجاه وأحمد
والطبراني من وجه آخر عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري"الفتح10/179-180 , وكونه من طعن الجن فإنه لا يخالف ما قاله الأطباء من كون الطاعون ينشأ عن هيجان
الدم أو انصبابه لأنه يجوز أن يكون ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة فتحدث منها المادة
السمية ويهيج الدم بسببها أو ينصب وإنما لم يتعرض الأطباء لكونه من طعن الجن لأنه
أمر لا يدرك بالعقل وإنما يعرف من الشارع فتكلموا في ذلك على ما اقتضته قواعدهم,
أو أنه ينشئ من احد السببين فتارة بهذا وتارة بهذا أو بالاثنين معا.
فساد جوهر الهواء:
وذلك لما قد يصيب الأرض من فساد, كانتشار جثث الموتى,
وانتشار الأوساخ والقاذورات التي يتولد عنها فساد الهواء الذي هو مادة الحياة
وجوهرها, فتقع الأمراض وهذا أدل في باب الأوبئة من باب الطاعون, ومن ذلك ما وقع من
خبر قوم يأجوج ومأجوج (فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى
عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ
بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ
عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ
فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ
عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ
مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى
وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ،
فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ
عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ
شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى
وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ، فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ
فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا
لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى
يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَة)مسلم2937 عن
النواس بن سمعان
ما الواجب على الناس عند نزول الطاعون:
أولا: الصبر والتسليم والرضا لقدر الله, حتى يكتب الأجر موفا غير منقوص قال
تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ
قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}البقرة155- 157 .
ثانيا: العمل بالأسباب
من الأخذ بالتداوي وكثرة الدعاء, ففي
الحديث عن عَائِشَةَ، حَدَّثَتْنِي: أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ هَذِهِ الحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ
كُلِّ دَاءٍ، إِلَّا مِنَ السَّامِ» قُلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: المَوْتُ /البخاري5687, وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ، فَقَالَ: «اسْقِهِ
عَسَلًا» ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلًا» ثُمَّ أَتَاهُ
الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلًا» ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ؟
فَقَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلًا» فَسَقَاهُ
فَبَرَأَ/البخاري5684مسلم2217.
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم برفع الوباء ماجاء عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ
كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى
الجُحْفَةِ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا»البخاري6372
ثالثا: عدم الدخول الى بلد الطاعون وعدم الخروج
منها:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ - أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ
إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا كَانَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ
بِالشَّأْمِ - فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ
فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ
تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ»البخاري5730
ومسلم2219 ,واما حديث أبي هريرة قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ عَدْوَى وَلاَ
طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ
مِنَ الأَسَدِ»البخاري5707, فهذا محمول :
·
على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله
تعالى. وقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من هذه العيوب سببا لحدوث
ذلك ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فر من المجذوم فرارك من الأسد وقال لا يورد ممرض
على مصح وقال في الطاعون من سمع به بأرض فلا يقدم عليه وكل ذلك بتقدير الله تعالى.
·
وحمل بعض السلف نفي العدوى, على معناها من نفي وقوع العدوى, وأما نهيه عن
القدوم لبلد الطاعون لأجل حسم المادة وسد الذريعة, حتى إذا ماخالط المصح الممرض
فاصابه شي فيظن أنه بسبب المخالطة فيثبت العدوى التي
نفاها الشارع .
فكل ذلك حادث بتقدير الله والذي أعدى الآخر هو الذي أصاب
الأول ولا ينجي حذر من قدر والأخذ بالأسباب من لازم هذا الدين ,قال تعالى: { أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ
فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ
عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}البقرة(243) , عن ابن عباس قال: خرجوا فرارا من الطاعون فماتوا.
(فدل فعل عمر على أن على المرء توقي المكاره قبل نزولها،
وتجنب الأشياء المخوفة قبل هجومها، وأن عليه الصبر وترك الجزع بعد نزولها، وذلك
أنه عليه السلام نهى من لم يكن في أرض الوباء عن دخولها إذا وقع فيها، ونهى من هو
فيها عن الخروج منها بعد وقوعه فيها فرارا منه، فكذلك الواجب أن يكون حكم كل متق
من الأمور غوائلها، سبيله في ذلك سبيل الطاعون. وهذا المعنى نظير قوله عليه
السلام:" لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا".
قلت: وهذا هو الصحيح في الباب، وهو مقتضى قول الرسول عليه السلام، وعليه عمل أصحابه
البررة الكرام رضي الله عنهم)القرطبي3/230-231
فضل من صبر في الطاعون:
·
رحمة للمؤمنين, عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْنَا: أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ
يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)البخاري5734.
·
الصابر فيه له أجر الشهيد, من حديث عائشة المتقدم: (فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ
يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ
يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ
الشَّهِيدِ) البخاري5734
·
الصابر في الطاعون كالصابر في الزحف عند احتدام المعركة وَعَنْ جَابِرٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الْفَارُّ مِنَ
الطَّاعُونِ كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ وَالصَّابِرُ فِيهِ كالصابر في الزحفٍ»صحيح الجامع الصغير وزيادته4276 .
وكان السلف يكرهون الفرار من الطاعون قال
الامام القرطبي في تفسيره (قال أبو عمر: لم يبلغني أن أحدا من حملة العلم فر من
الطاعون إلا ما ذكره ابن المدائني أن علي بن زيد بن جدعان هرب من الطاعون إلى
السيالة فكان يجمع كل جمعة ويرجع، فكان إذا جمع صاحوا به: فر من الطاعون! فمات
بالسيالة. قال: وهرب عمرو بن عبيد ورباط بن محمد إلى الرباطية فقال إبراهيم بن علي
الفقيمي في ذلك:
ولما
استفز الموت كل مكذب ... صبرت ولم يصبر رباط ولا عمرو
وذكر أبو حاتم عن الأصمعي قال: هرب بعض
البصريين من الطاعون فركب حمارا له ومضى بأهله نحو سفوان ، فسمع حاديا يحدو خلفه:
لن يسبق الله على حمار ... ولا على ذي منعة طيار
أو يأتي الحتف على مقدار ... قد يصبح الله أمام الساري
وذكر المدائني قال: وقع الطاعون بمصر في
ولاية عبد العزيز بن مروان فخرج هاربا منه فنزل قرية من قرى الصعيد يقال لها"
سكر" . فقدم عليه حين نزلها رسول
لعبد الملك ابن مروان. فقال له عبد العزيز: ما اسمك؟ فقال له: طالب بن مدرك. فقال:
أو هـ ما أراني راجعا إلى الفسطاط! فمات
في تلك القرية.)تفسير
القرطبي2/315-316.
جزاك الله خير
ردحذف