مقال مكتوب: أسباب الالحاد وخطره على الشباب والمجتمع...بقلم أبي عبدالله فهمي البوري
مقال
خطر الإلحاد في الدين
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله
من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا ,من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له,
واشهد أن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, واشهد آن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا
وانتم مسلمون)
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق
منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن
الله كان عليكم رقيبا)
(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا .
يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
فان خير الحديث كتاب الله, و خير الهدي هدي محمد صلى
الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة و كل ضلالة
في النار)) .
وبعد :
إن مما لاشك ولا ريب أن النفس تميل الى الربح والفلاح
وزين ذلك فيها قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ
الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ
ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ }آل عمران14 ,وتفر من الخسارة والهلاك,
وان من أعظم الخسارة خسارة الدين والتكذيب برب العالمين قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ
يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} يونس45 ,ولهذا فلا
يمكن إدراك الهداية إلا {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}هود1, أي من عند رب محكم للأمور. خبير بكل كائن وغير كائن. ومن ذلك هذا النفس التي جبلت على أن تتفلت على صاحبها حينا وتطاوعه حينا, {
وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا
رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} يوسف53, أي مشتهية للسوء, وراغبة فيه, إلا من عصمه الله, فلا يعرف صلاح النفس على
الحقيقة المطلقة إلا خالقها ومالكها والمتصرف فيها ,من إحياء على الحقيقة الحسية
والمعنوية, وإماتة, وما يصلحها, وما يفسدها من أول نشأتها وهو النفخ إلى أن
يتوفاها, قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ
الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ
عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ
لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ
نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى
وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ
عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ
اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} الحج(5) وعودة
إلى ما قد سبق فان أعظم قضية يقوم عليها صلاح النفس البشرية, هي قضية الإيمان
بالله عز وجل وتوحيده, ولا يتأتى لها ذلك بذكاء , ولا بفصاحة, ومن اجل ذلك أرسل الله
الرسل وانزل الكتب, قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل امة رسولا أن اعبدوا الله
واجتنبوا الطاغوت)النحل36
, وذلك أن وجوب معرفة الله تعالى وصفاته
يكون بالسمع لا بالعقل, وهو وحي الله إلى رسله قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من
رسول إلا نوحي إليه انه لا اله إلا أنا فاعبدون)الانبياء25 , (وقد استدل إبراهيم
عليه الصلاة والسلام بأفعاله المحكمة المتقنة على وحدانيته . بطلوع الشمس و غروبها
وظهور القمر وغيبته وظهور الكواكب وأفولها. ثم قال :{لئن لم يهدني ربي لأكونن من
القوم الظالمين}الانعام77 . فعلم أن الهداية وقعت بالسمع)اللالكائي1/147 .
ولذا لم نطق أناس من المتكلمين الذين حكموا عقولهم على
وحي رب العالمين, واستجهلوا من كان قبلهم من السابقين الأولين (كثر في الدين
اضطرابهم , وغلظ عن معرفة الله حجابهم , واخبر الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى
إليه أمرهم حيث يقول:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها****وسيرت طرفي بين تلك
المعالم
فلم أرى إلا واضعا كف حائـر****علــى ذقــن
أو قارع ســن نادم
واقروا على أنفسهم بما قالوه متمثلين به أو منشئين له
فيما صنفوه من كتبهم كقول بعض رؤسائهم:
نهــاية إقــــدام العقـــــول
عقـــال****وأكثر سعي العالمين ضـــــلال
وأرواحنا
في وحشة من جسومنا****وحاصـــــــل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا****سوى أن
جمعنا فيه قيل وقالوا
....ويقول الآخر منهم : أكثر الناس شكا عند الموت أهل
الكلام)مجموعة
الفتاوى5/10-11 .
ومن هنا يتلخص انه لا يمكن معرفة الله عز وجل ومراده منا
إلا به سبحانه وتعالى, وذلك من خلال الرسل
الذين بعث بهم إلينا, وإن العدول عن هذا
الأصل ربما أعاد الاختلال المتقدم ذكره
بلا شك من ظهور الإلحاد في المجتمعات, سواء على مستوى الجزئيات, أو على مستوى إنكار
وجود الله عز وجل, وهذه قاصمة الظهر, وآبدة الفكر و {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}البقرة156 .
تعريف الإلحاد:
الإلحاد: (الميل وترك القصد، يقال: ألحد
الرجل في الدين. وألحد إذا مال. ومنه اللحد في القبر، لأنه في ناحيته.)تفسير القرطبي7/328
والإلحاد يكون تارة بإنكار القران وانه ليس
من عند الله، أو هو شعر أو سحر، وأخرى بالإعراض عنه عند تلاوته بالمكاء والتصدية واللغو
والغناء. وتارة بتبديل الكلام ووضعه في غير موضعه. وهكذا بالتكذيب والمعاندة
والمشاقة فيه.
وقد ورد ذكر الإلحاد في كلام الله عز وجل في أكثر من
موضع, ومن ذلك:
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ
الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ
سَيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ}الأعراف 180
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ
يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ
أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}النحل 103
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا
لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي
آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ} فصلت40.
والذي نريد أن نسلط الحديث عليه في هذا
المقام, هو الإلحاد في وجود الله, وظهوره بين الشباب لسبب أو لآخر , ولو كان يسيرا
,كما سنذكر بعضا من تلك الأسباب, حرصا على بقاء المجتمع مستمسكا بأسباب السعادة في
الدارين والتي لا تتحقق إلا بالإيمان بالله عز وجل, وهو المطلب الذي سلكت تلك
النابتة من الشباب مسلك الإلحاد لتحقيقه, قصدا منها أو جهلا بحقيقة الإلحاد والنتائج التي تترتب على سلوكه قال تعالى: {
وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يَا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا
نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}الأنعام(27)
وهذه هي نهاية الخسران, من معاينة العذاب
والمصير إليه, وقد كان نبينا حريصا
على هداية الخلق ولو على مستوى الأفراد, والفرح بهدايتهم فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ» ،
فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ
النَّارِ»البخاري1356,وقول النبي صلى عليه وسلم لعلي بن أبي طالب
رضي الله عنه: (فَوَاللَّهِ
لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ
النَّعَمِ)البخاري3009, وانه
من الحرص بمكان صون أبنائنا عن الإلحاد والكفر بعد الإيمان , والارتداد عن الدين.
فإلى كل مفتون بتزييفات المبطلين، مخدوع
بزخارف أقوال الملحدين.
إلى كل طالب للحقيقة العظمى، حريص على
النجاة، طالب للسعادة الأبدية.
إلى كل مؤمن يودّ أن يقف على مواطن السقوط
في أحضان الإلحاد فيجتنبها, أقدم بعض الأسباب التي تؤدي إلى الوقوع في وحل الإلحاد
وبالله استعين.
أسباب الإلحاد:
- · الاعتداد بالذات والغرور واحتقار الآخرين, وذلك يتولد نتيجة لنعمة منّ الله عليه بها وميزه عن غيره, من ذكاء أو حسن بيان أو رياسة, فتكون حمالة له إلى أن يحتقر من حوله ويزدري ما هم عليه من المعتقد, فيريد أن يتشرف عنهم بفضيلة فيفارقهم عما هم فيه, قال البلخي عن ابن الرواندي الملحد: (وكان علمه فوق عقله)سير أعلام النبلاء, فأدى به إلى احتقار كل شي أمامه حتى الأنبياء فألف كتابه ("الزمردة" يزري فيه على النبوات. قال ابن الجوزي: فيه هذيان بارد لا يتعلق بشبهة! يقول فيه: إن كلام أكثم بن صيفي فيه ما هو أحسن من سورة الكوثر!)سير أعلام النبلاء, ولم يقف به الحد عند أهل الأرض بل تعدى به غروره إلى ما هو أعظم من ذلك فصنف "الدامغ" يدمغ به القرآن, ثم كان ماذا هل صنع له الإلحاد مبتغاه, وهل استطاع أن يفلت من الجبار { وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (62)}الانعام61-62, فما أغنى عنه إلحاده من شي , بل أنه به فقد كل شي, وهكذا تجد كثيرا ممن وقعوا في الإلحاد من هذا الصنف, فرحم الله الذهبي حيث قال: (لعن الله الذكاء بلا إيمان، ورضي الله عن البلادة مع التقوى.)سير أعلام النبلاء.
- · قيام التعليم الديني على أسلوب التلقين من بعض المعلمين, والمربين دون وضع إجابات مقنعة للتساؤلات.
وذلك في جو الانفتاح العريض على العالم الآخر عن طريق
مواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي المملوء بسيل جارف من الشبهات التي يقوم
عليها أناس أحكموا قبضتهم عليها, مع وجود الخواء العلمي في الطرف المقابل, الأمر
الذي يورد الشكوك فيما يعتقده, ويطعن في أصوله , نتيجة إيقاع نفسه في مواطن
الشبهات التي حذرنا الله من الوقوف عندها قال تعالى: { وَلا تَقْفُ
مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ
أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً}الإسراء (36),
فإذا أراد حل هذه الإشكالات ,لم يجد لها جوابا, بل ربما وجد إشكالا آخر من معلمه,
وهو التقليد في المعتقد والجمود عليه, فيجد نفسه رافضا أن يعتقد أمرا مشوشا في
ذهنه ,والغالب في ذلك يرجع إلى الضحالة العلمية, وعدم أخذ المسألة من أصولها,
وربنا يقول :{ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}البقرة(111) والبرهان: الدليل الذي يوقع اليقين، قال الطبري: طلب
الدليل هنا يقضي إثبات النظر ويرد على من ينفيه.
- · تغلب الشهوات وخلق المبررات لفعلها, هروبا من لوم المجتمع وتأنيب الضمير.
فتجد طائفة
منهم قد مرضت قلوبهم فتغلبت الشهوة عليها ¸ ولان مرضها
هو نوع فساد يحصل للقلب وبسببه يضعف ويسقط في أسر الشهوات، قال تعالى:{ يَا نِساءَ
النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ
بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً}
الأحزاب: 32,فصارت الشهوة معبوده, منها الزنا واللواط وحب المغاني
والرقص وشرب المسكرات, إذا فلابد من إيجاد بديل يحل له هذا الإشكال, ويذهب عنه وخز
الضمير الذي يكدر عليه صفو تلك الشهوة, فلا يجد سبيلا إلى ذلك إلا الطعن في
المعتقدات ليتحرر من تلك الحدود, فليس له سبيلا لذلك الأمر إلا وحل الشهوات
ومستنقع القاذورات وهو الإلحاد, إذ ليس له مصدر يأخذ منه القيم الأخلاقية, فالإنسان
من وجهة النظرة الإلحادية ليس إلا منتجا ثانويا للمصادفة في الطبيعة, فيصعب في
الرؤية الإلحادية إيجاد أي سبب للاعتقاد بأن هذا الفعل له قيمة أخلاقية سلبا أو إيجابا,
وحينها يرتع في شهواته كما شاء ويشبع نزواته بما شاء, فتكون شهوته الحاكمة,
حاله معها كمن قال:
عدو لمن عادت، وسلم لأهلها ... ومن قربت ليلى أحب وأقربا
- · حب الظهور الفكري واتخاذه نوعا من الموضة.
وهو طراز يختلط فيه التقليد الأعمى بالنقص المركب، أو حب
الظهور ولو كان على حساب الحرب ضد معتقداته, وأنتم تلحظون ما يفعله مجموعة من
الشباب من ركوب الدراجات النارية وقيادتها بسرعة جنونية مع فعل بعض الحركات والتي
هي نوع من التحدي مصيرها موت حتمي يتكرر حدوثه باستمرار, ومع ذلك لا يرعوون ولا
ينتهون, يصدق عليهم قول ربنا { وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}البقرة: 195 .
فتجد تلك الطائفة من الشباب يتباهون بحفظ
بعض العبارات أو الكلمات باللكنات الأعجمية, والظهور ببعض الألبسة من ألبسة الشرق
أو الغرب, والمطالعة في بعض كتب الفلاسفة والتحدث بمصطلحاتهم, وليس لهم راية ترفع
إلا بالتشكيك في معتقدات الآخرين, فيفنوا أعمارهم فيما لا طائل تحته, فإذا ما
عاينوا الحقيقة علموا أن {أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ
مَاءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ
فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ} النور39 . فيتسابقون إليها على أنها لون من ألوان الموضة الفكرية
, دون النظر في العواقب.
- وجود بعض النظريات التي تصادم الدين , وتبنيها على أنها حقائق مسلم بها .
فتورث لدى متبنيها شكوك في معتقداته التي جاءت عن طريق
الوحي, ومن هذه النظريات (نظرية دَارْوين وَفكرة التطوُّر وداروين هو "تشارلس
داروين". بريطاني. عاش ما بين عام (1808م و1882م) بدأ دراسة الطب ثمّ لم يكمل
مسيرته. وانتقل إلى دراسة اللاهوت. وكان شغفه بالرحلات العلمية الاستكشافية وراء
البحار. وتعلق بالبحث في عالم الأحياء. ودوّن ملاحظاته التي توصل إليها طوال ربع
قرن من البحث. وتجلّت له فكرة تطور الأحياء بعضها من بعض من ظاهرة التشابه في
التكوين الجسمي بينها، ومن بعض ظواهر أخرى.
خلاصة فكرة التطور الداروينية:
3-تقوم فكرة التطور الداروينية على أن الكائنات الحية تسير
في تطورها مرتقية من أدنى الأحياء إلى الأعلى فالأعلى، وأن الإنسان قد كان قمة
تطورها.
2- وبقاء بعض الأنواع وانقراض بعضها يرجع إلى ظاهرة
الصراع من أجل البقاء، فالبقاء يكون للنوع المكافح الأفضل. وأما النوع الخامل الذي
لا يكافح من أجل البقاء فإنه يضمر، ثمّ يضمحل، ثمّ ينقرض.
3- والعضو الذي يهمل إذ لا تبقى له وظيفة عمل في النوع
الواحد، يضمر شيئاً فشيئاً، حتى يضمحلّ، ولا يبقى منه إلا أثر يدلُّ عليه، وقد لا
يبقى له أي أثر.
ورأى الملاحدة وأصحاب الفكر المادي في آراء
"داروين" أساساً يمكن أن يدعم مذهبهم، فاتخذوها أساساً، وأخذوا يروجون
لها في ميادين العلم،
ويعتبرونها "نظرية" مع أنها لا ترقي في سلم البحث العلمي عن كونها
"فرضية". ويرى جمهور أهل البحث العلمي
المعاصرين , والمشتغلين بعلم الأحياء، أن ما يسمى بنظرية التطور لا يرقى إلى مستوى
"النظرية". بل هو لدى التحقيق لا يزال في مستوى "الفرضية".
وذلك لأنه لم يوجَد حتى اليوم أيُّ دليل
واقعي مشاهد ولو معملياً يرجّح صحّة الفرضيّة، ولو بمثال واحد من الأمثلة التي يصح
الاعتماد عليها، كأساسٍ للتطور المقرر في النظرية المدعاة أو المتخيلة.
وروجوا أن نظرية التطور قادرة على تفسير
نشأة الخلق، ونشأة الحياة، من مادّة الكون الأولى التي هي سديم غازي، أي سحابة
غازية مؤلفة من أدنى الغازات تركيباً، وأن هذا التطور قد كان تطوراً ذاتياً، وليس
ذا حاجة إلى تدخل خالق ذي قدرة وعلم وحكمة، فالتطور بطبيعته الذاتية قد أجرى هذه
التغييرات العظيمة التي نشاهدها في الكون وفي أنفسنا. يقول "سير آرثر
كيث": إنّ نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علمياً، ولا سبيل إلى إثباتها
بالبرهان، ونحن لا نؤمن بها إلا أن الخيار الوحيد بعد ذلك هو الإيمان الرباني بالخلق الخاص
المباشر، وهذا لا يمكن حتى التفكير فيه, لاسيما بعد أن اتخذ لنفسه الإلحاد مذهباً
وعقيدة) بتصرف من كواشف زيوف/ عبد الرّحمن حسن حَبَنّكة الميداني, ونحن في هذا المقام ليس بصدد الرد على تلك النظريات
,ولكن نذكر الأسباب التي أدت إلى الوقوع في الإلحاد, وأما من أراد ذلك فيرجع إلى
مظان تلك الردود, وأما أنا فيكفيني قول ربي: { إِنَّ مَثَلَ
عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)}آل عمران59-60.
- · وجود الشر .
فتجدهم يدندنون بما يستثير المشاعر ويحرك العواطف , بذكر
بعض الأحداث التي بنظرهم فضيعة, كموت ملايين الأطفال سنويا دون الخامسة, وكحادث
تسونامي عام 2004 الذي قضى على ربع مليون
إنسان, وتعرض العديد من النساء للاغتصاب , وحدوث جرائم الإبادات الجماعية, يقول الدكتور
هاريس احد الملحدين عن الإله: (إما انه عاجز عن فعل شي حيال ذلك أو انه لا يهتم
بفعل شي وبالتالي هو إما عاجز أو شرير) تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ولذلك
تجد أن احدهم إذا أصابه مكروه سرعان ما يتضجر ويرمي بألفاظ الظلم والاعتراض على
القدر النازل به ,متناسيا للحكمة المقترنة بذلك القدر { وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}البقرة (216) ,ومسألة الابتلاء والاختبار { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ
يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ}العنكبوت2-3 , وهم يخالفون بقولهم نظرة الإلحاد التي تصف الإنسان بأنه
وجد مصادفة في الطبيعة وليس له قرار فيما تحدث الطبيعة فهو أشبه بآلة تنفذ أوامر
لا تفهمها, فلما يعترضون على الإله الذي هم لا يؤمنون بوجوده ولكنها { فِطْرَتَ
اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الروم30, فليس مع القوم إلا التشكيك والطعن في معتقدات الآخرين حتى يخلوا لهم الجو
وان لهم ذلك.
- · وجود بعض المقارنات والمفارقات في واقعنا كتخلف الأمة, وحال المرأة مع واقع المجتمعات الأخرى.
والنكتة في هذه المسألة هي ربط قضايا التخلف والانحطاط
والنزاعات بمسألة المعتقد, وهذا خلل في أصل المسألة, ولذا تجد كثيرا ممن يتبنى
قضية الإلحاد يبذل قصار جهده في توثيق قضية التخلف بالمعتقد, وأنا أشير دائما أن
من يتبنى هذه الفكرة ليس له أصول يأخذ منها القيم الأخلاقية والتي يمكن حصول اتفاق
عليها, ولذلك ليس له حيلة إلا إسقاط المعتقدات الأخرى, وحينها يقال:
خلا لك الجو فبيضي واصفري***ونقري ما شئت أن تنقري
وبالنظر إلى كثير من الدول المتقدمة في جانب التقنية فإننا
نجد أن لها معتقدات, كالمسيحية والبوذية, ومع ذلك لم يمنع ذلك المعتقد من تقدمها,
وعلى فرض أن تلك المعتقدات متنحية عن جانب الواقع العملي, فإننا نجد أن الكثير من
الدول الإسلامية, لا تتخذ الإسلام مرجعا في واقعها العملي, وتستبدله ببعض القوانين
الغربية, ومع ذلك لم تجدي, وأشير أيضا إلى مجموعة من الدول الإسلامية حققت قفزة في
جوانب الحضارة والتقنية, ولم تتخلى عن معتقدها الديني , مثل سنغافورا, وتركيا
وماليزيا, وبالرجوع إلى الوراء قليلا, ومراجعة التاريخ فإننا نجد الإسلام في حال
نشوته وقوته, سجل أعلا معدلات الحضارة والنفوذ وقوة الفكر والعلم والاقتصاد .
والسؤال الذي يطرح نفسه فأين يكمن سبب التخلف ؟
والناظر إلى تعاليم الإسلام في جميع جوانب الحياة
الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والتعبدية لا يجد فيه علاقة من أي وجه في سبب
التخلف.
بل العكس صحيح سبب تخلفنا هو ترك ديننا فماضينا
علم ونور وحضارة مزدهرة وقوة وعز وسعادة فرجوعنا إليه هو عين التقدم ولا يتنافى
ذلك مع اقتباس ما جد من العلوم والأعمال النافعة.
وأما بالنسبة لحال المرأة في زمن الحضارة
الإسلامية, وواقعها في بلاد الأندلس, يقول جوزيف مكيب: (والنساء اللائي كن نزلنا
إلى دركة الخدم في بلاد أوروبا لكراهية القسيسين للزواج وإيثارهم العزوبة كن على
خلاف ذلك عند المور مكرمات مالكات حريتهن والكرم إن لم نقل البذخ والسرف اللذان
حلا محل التقشف والتعصب في دمشق انتقلا إلى الأندلس فكانا كافيين لحفظ مركز المرأة
والعشرة الخشنة التي يعشر بها المسلمون المرأة كما هو مشهور عندنا لم توجد في
الأندلس والنساء في القصر الملكي بقرطبة كن يساعدن الخلفاء في تدبير الأمور وكان
طلب العلم مباحا لهن بكل حرية وكثير منهن كان لهن ولع شديد بالعلوم الرائجة في ذلك الزمن من
فلك وفلسفة وطب وغيرها وكانت النساء يتبرقعن في خارج بيوتهن ولكنهن كن مكرمات وفي
منازلهن كن مشرفات ومحترمات.)التقدم والرجعية/د.تقي الدين الهلالي.
وأما عن اعتناء الإسلام بالمرأة, فلن تجد له مثيل في
جميع الشرائع والقوانين, واليك أمثلة من ذلك:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ
لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا
بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}النساء(19)
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا
خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ»صحيح الترمذي
عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ:
الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ،
وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ، وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرْأَةُ
السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ الضِّيقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ»«الصحيحة» (282)
عَنْ عَطَاءٍ، أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ،
قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَلَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا
جَابِرُ تَزَوَّجْتَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «بِكْرٌ، أَمْ ثَيِّبٌ؟» قُلْتُ:
ثَيِّبٌ، قَالَ: «فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ:
إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ، فَخَشِيتُ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُنَّ، قَالَ:
«فَذَاكَ إِذَنْ، إِنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا، وَمَالِهَا،
وَجَمَالِهَا، فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»مسلم715
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ
وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» صحيح أبي
دوود2098
أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا، قَالَتْ: فَغِرْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ
فَرَأَى مَا أَصْنَعُ، فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟» فَقُلْتُ:
وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللهِ أَوْ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟
قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِنْ
رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ»مسلم2815
فهذه بعض الآثار في هذا الباب ولو استطردنا فيها لكان من
ذلك الخير الكثير ولكن مجرد إشارة إلى المقصود وفيه الكفاية.
- · التشدد الديني: ويكون من جهتين وهما:
الاستبداد الديني, من خلال مخالفة الشرائع, وفي نظري أن
هذا السبب في مجتمعنا الإسلامي ليس له دور بارز , وإن وجد شي فيكون دور مفتعل لا
يذكر, لأن دينا يصرخ بكل قوة في تأصيل مبدأ التفكر والنظر, قال تعالى: { قُلْ
سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ
يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}العنكبوت(20) وقال تعالى: { إِنَّ فِي
خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ
الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ
السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ
كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ
وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}البقرة(164) ,(وعن عبيد بن عمير رضي الله عنهـ أنه قال
لعائشة رضي الله عنها أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فسكتت ثم قالت لما كان ليلة من الليالي قال يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي
قلت والله إني أحب قربك وأحب ما يسرك
قالت فقام فتطهر ثم قام يصلي
قالت فلم يزل يبكي حتى بل حجره
قالت وكان جالسا فلم يزل يبكي صلى الله عليه
وسلم حتى بل لحيته
قالت ثم بكى حتى بل الأرض فجاء بلال يؤذنه
بالصلاة فلما رآه يبكي قال يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما
تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا
لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم
يتفكر فيها إن في خلق السموات والأرض الآية كلها)رواه ابن حبان في صحيحه وغيره/صحيح الترغيب
والترهيب1468. ويقول ربنا
عز وجل: { وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}الذاريات(20-21),
ولو تتبعنا القرءان لوجدناه ملئ من الشواهد في هذا الباب, وكم رأينا من ازدهار
العلم, وضخامة الخزانة الإسلامية من الكتب العلمية المتينة في جميع ميادين الحياة,
الهندسة والطب والعمارة والسياسة,
ناهيك عن علوم الفقه والتفسير والحديث, وأنا انقل في هذا المقام من كلام جوزيف
مكيب في كتابه مدنية العرب في الأندلس:
(الفصل الأول:
لقد أطلقت لفظ العصور المظلمة كسائر المؤرخين في
(تويليفي) هذا على أكثر عصور الممالك النصرانية انحطاطا على العموم وخصوصا القرن
العاشر المسيحي تنصرت الممالك الأوروبية قبل ذلك بخمس قرون أو ستة قرون تقريبا مضت
من يوم تغلب البوابي - جمع بابا - والأساقفة على إرادة الملوك وحثوهم على إبادة كل
مصدر من مصادر الإلهام يخالفهم فأغلقوا المدارس والمعاهد وقضوا على العلم والأدب.
وإذا استثنينا بعض المواضع في أوروبا كالبندقية إذ كان
فيها بقية تافهة إصطلاحية من علم اليونانيين تخفف من شرهم وهمجيتهم فإن أوروبا
كلها كانت في تباب وخراب اقتصاديا واجتماعيا وعقليا وكان ذلك العهد أشد سواد وظلمة
وانحطاطا من سائر العصور البابوية وفي ذلك الزمان أطلق الأساقفة والقسيسون
والرهبان والراهبات الأعنة في الدعارة والشهوات البهيمية ولم يكونوا في ذلك الزمان
يستترون حتى بجلباب النفاق ولو أن غنيا مليونيا من أهل
هذا العصر كان في ذلك الزمان لقدر أن يشتري مملكة بأسرها وكان تسعة وتسعون في
المائة خدما يعاملون بأقسى ما يعامل به العبيد ولم يكن ولا واحد في المائة من
الرجال ولا واحد في الألف من النساء تقدر على القراءة وكان الضعيف مضطهدا مقهورا
مسحوقا تحت الأقدام مغموسا في الطين والدم بل حتى القوي كان مهددا بالأوبئة
الوافدة والسيوف اللامعة على الدوام والنجوم ذوات الأذناب في السماء وجنود
العفاريت الهائلة في الهواء كذلك إن أردت أن تعرف أفكار النصرانية الاجتماعية
فادرس القرن العاشر فلا زخارف أقوال الواعظين ولا كذب المعتذرين ولا الإذعان
السياسي من المؤرخين يقدر أن يخفي عن ذوي الألباب عظم تبعة الكنيسة ولا سيما
البابوية في ذلك الزمان الذي بلغ فيه الانحطاط إلى دركة لا نظير لها وإنه لفصل من
أشد فصول البشرية شقاء وحزنا من الفصول التي استشهدت فيها الإنسانية وأنه لأفضع
فصول من فصول غضب الله. حقا لقد حطم "بولوس" من ناحية
و"أوكستين" من ناحية أخرى مدنية الإنسان فهل هذا الذي سمياه - بعيدين عن
اتباع الهوى - (مدينة الله) . ثم قال "جوزيف مكيب" في وصف انحطاط
الأوروبيين قبل فتح المسلمين الأندلس وبعده بزمن طويل: "اعلم أن أمهات المدن
الأوروبية لم توجد فيها قنوات لصرف المياه القذرة حتى بعد مضي ستمائة سنة من ذلك
التاريخ أي من سنة 756-1356م فكانت المياه المنتنة النجسة تجري في طول شوارع باريس
ولندن ويضاف إلى ذلك أنها لم تكن مبلطة أو تجتمع فيتكون منها برك حتى بعدما علمت
النهضة في أوروبا عملها قرونا طوالا أما في مدن المور فكانت الشوارع مبلطة منورة
قد سويت فيها مجاري المياه أحسن تسوية في أواسط القرن العاشر قال
"سكوت": بعض القنوات التي كانت تحت الشوارع لصرف المياه القذرة في
"بلنسية" تقدر أن تكتسح سيارة وأصغر قناة منهن تقدر أن تكتسح حمار وكانت
الشوارع مجهزة أحسن تجهيز بالشرطة وهذا النظام الصحي السامي كانت تعضده النظافة
العامة التي يراها الأمريكيون في هذه العصور شيئا واجبا ولكنها في ذلك الزمن كانت
في نظر الأوروبيين أعجوبة من أعاجيب الرقي التام فكان في قرطبة وحدها تسعمائة حمام
عام وكانت الحمامات الخاصة كثيرة في كل مكان أما في بقية بلاد أوروبا فلم يكن فيها
ولا حمام واحد وكان أشراف أوروبا ورؤساء الإقطاع منهمكين في الرذائل إلى حد يحجم
الإنسان عن وصفه ولم يكن لبس الكتان معروفا في أوروبا حتى أخذت (موضة) - أي طراز -
لبس الكتان النظيف من المحمديين ولم تكن الزاربي أيضا تصنع هناك وكان الحشيش يغطي
قصور الأمراء ومصطبات الخطابة في المدارس وكان الناس والكلاب ينجسون المحلات إلى
حد يعجز عنه الوصف ولم يكن لأحد منهم منديل في جيبه وفي ذلك الوقت لم تكن الحدائق
تخطر ببال أحد من أهل الممالك النصرانية ولكن في إسبانيا العربية كان الناس من
جميع الطبقات يبذلون الجهود والأموال في تجميل حدائقهم العطرة البهية وكانت
الفسقيات تترقرق مياهها صعودا في صحون الدور والقصور والأماكن العامة ولا يزال في
صحن الجامع الكبير في قرطبة حوضان كبيران جميلان من مرمر يزينان ذلك الصحن حيث كان
كل مصلي يتوضأ قبل أن يدخل إلى المسجد ووصفهما "سكوت" في هذا الزمان
فقال هذان الحوضان اللذان كانا من قبل متوضأ للمسلمين الغيورين من جميع الآفاق
والآن يمدان بالماء سكان قرطبة النصارى ذوي المناظر القذرة والأخلاق السبعية
والجهل العظيم, بمزايا الشعب الطاهر العاقل
المهذب الذي تنتمي إليه الذكريات الفاخرة من الفن والصناعة هذان الحوضان يشهدان
شهادة مرضية بأن لا دوام للمدنية العليا وأن الإنسان دائما يميل بطبعه إلى التقهقر
والرجوع إلى أحوال الهمجية ويشهدان بما لسلطة القسيسين من المقدرة على فعل الشر
وأن سياستهم التي لن تجد لها تبديلا أسست على قاعدة احتقار مواهب عبيدهم العقلية
وهذه العدد التي أعدها الخلفاء بفرط ذكائهم ظهر أثرها في زيادة خارقة للعادة في
السكان على حين كانت جميع بلاد أوروبا لا يتضاعف سكانها إلا بعد مضي أربعة أو خمسة
قرون ولم تنحصر عنايتهم الأبوية في حفظ الصحة والحياة فقط فمع كثرة النفوس المفرطة
كانوا لا يرون أحد يصاب بمصيبة إلا نفسوا عنه الكرب وواسوه وهذا فيما لم يمكن اتقاؤه
منها.
وكان يساعدهم على اتقاء النكبات اتخاذهم
نظاما حسنا في استخدام البطالين في إصلاح الطرق والأشغال العامة وكان "عبد
الرحمن الثاني" قد أعلن أن كل من يريد العمل يمنحه ودوائر العدل التي خلفتها
محاكم التفتيش وغرف التعذيب كما أثبته المحققون كانت منزهة عن كل ريبة أو فساد
وكانت المعارف والتعليم أحسن مما كانت فيه ممالك الروم ولم يكن يضاهيها إلا ما
بلغه اليونانيون من المعارف العلية في أرقى أيامهم والخلفاء أنفسهم شيدوا المشافي
(جمع مستشفى) ودور الأيتام كما كان يفعل ملوك اليونانيين ومنذ زال ملكهم زالت هذه
المؤسسات في أوروبا وكان الأعيان والتجار لا يألون جهدا ما اقتفوا آثار الخلفاء في
العمل بهدي القرآن في مثل هذه الخيرات وكان الخلفاء أنفسهم يعودون المرضى ويبحثون
عن المكروبين لينفسوا كربهم والنساء اللائي كن نزلنا إلى دركة الخدم في بلاد
أوروبا لكراهية القسيسين للزواج وإيثارهم العزوبة كن على خلاف ذلك عند المور
مكرمات مالكات حريتهن والكرم إن لم نقل البذخ والسرف اللذان حلا محل التقشف
والتعصب في دمشق انتقلا إلى الأندلس فكانا كافيين لحفظ مركز المرأة والعشرة الخشنة
التي يعشر بها المسلمون المرأة كما هو مشهور عندنا لم توجد في الأندلس والنساء في
القصر الملكي بقرطبة كن يساعدن الخلفاء في تدبير الأمور وكان طلب العلم مباحا لهن
بكل حرية وكثير منهن كان لهن ولع شديد بالعلوم الرائجة في ذلك الزمن من فلك وفلسفة وطب
وغيرها وكانت النساء يتبرقعن في خارج بيوتهن ولكنهن كن مكرمات وفي منازلهن كن
مشرفات ومحترمات ولا حاجة إلى أن أتكلم في ظرف المور ولطفهم وشهامتهم لأنهم هم
الذين طبعوا الشعب الإسباني طبعا لا يمحى أبدا على الاحترام الشخصي واللطف الذي لا
يزال من خواصه المستميلة حتى في الصناع والفلاحين وهناك مزية أخرى يمتاز بها المور
وهي التسامح الديني.
في أول الأمر كان هناك بلا شك شهداء يعني
مقتولين لمخالفتهم الدين ولكن لا مناسبة بين ذلك وبين المذبحة التي عملها
الإسبانيون أخيرا في ذرية المور.
وأما بعد استقلال المملكة العربية في
الأندلس فإذا استثنينا معاملتهم لطوائف الثوار من النصارى كأهل طليطلة الذين كانوا
على الدوام ينتظرون الخلاص من ناحية الشمال فقد كان أهل الأديان جميعا يعاملون
بالحسنى وكانت على اليهود والنصارى فريضة مالية قليلة تخصم وكانوا يتمتعون بحماية
حقوقهم فكثر عددهم وعظم بذلك الخرج الذي يؤخذ منهم.
وقد رخصوا لنصارى طليطلة في المحافظة على
كنائسهم الكبرى ورخص لهم أن يبنوا عددا كثيرا من الكنائس وكانت لهم في طليطلة ست
كنائس وكانوا مستمسكين بالعلاقات الودية مع جيرانهم حتى أثار فيهم القسيسون
الضغينة الدينية وأما ما يخص اليهود الذين كانوا يتمتعون بعصرهم الذهبي حينئذ
وارتقوا إلى أعلى درجة في العلوم ونالوا أعلى المناصب في دولة مور فسأتكلم عليه في
فصل آخر.
وهذه النبذة المجملة في ذكر مدينة المور
ستزداد وضوحا وتفصيلا عند الكلام على وصف حياة قرطبة وغرناطة ولا بد أن القارئ علم
مما ذكرناه آنفا تفوق المدنية التي يزعمون أنها وثنية تفوقا خارقا للعادة ولا بد
رأى أثرها في أوروبا المتوحشة وهذا صحيح لا يمتري فيه أحد من المؤرخين.
والمؤرخون لا يقابلون بين المور والنصارى
لأنهم لو فعلوا ذلك لكانوا كالذي يقيس أهل "بوستون" - مدينة في إمريكا -
بقبائل "إسكيمو" وذلك عجب عجيب. قال "ستنلي لين بول" في شأن
النصارى الذين فتحوا شمال إسبانيا كانت غزوات النصارى لعنة عظيمة على من يكون لهم فريسة وكانوا خشنا
جاهلين أميين لا يقدر على القراءة إلا قليل منهم جدا ولم يكن لهم من الأخلاق إلا
مثل ما لهم من المعارف يعني لم يكن لهم منها شيء وأما تعصبهم وقسوتهم فهو ما يمكن
نتوقعه من الهمج البرابرة" ا-هـ.
..... فبعض الكتاب من
المسلمين المتهورين الذين لا يَزِنُونَ أفكارهم بل يهرفون بما لا يعرفون إذا سمعوا
الأوروبيين يستنكرون عصورهم المظلمة ويسمونها رجعية ويستعيذون بالله منها يقلدونهم
في أقوالهم كالببغاءات ويحاكونهم في أفعالهم كالقردة ولا يعلمون الفرق بين ماضينا
وماضيهم فإن ماضيهم كما قال علماؤهم ظلمات مدلهمة لا نور فيها أما نحن فبالعكس
ماضينا علم ونور وحضارة مزدهرة وقوة وعز وسعادة فرجوعنا إليه هو عين التقدم ولا
يتنافى ذلك مع اقتباس ما جد من العلوم والأعمال النافعة) التقدم والرجعية/د.تقي الدين الهلالي.
والثاني:من جهة التربية من خلال الجمود الذي يولد ردة
فعل معاكسة, نتيجة لطرح بعض الأسئلة التي قد لا يجدون لها ردا شافيا كما أسلفنا,
وهذا وحده غير كاف لأن يترك الإنسان دينه وإنما يكون بعض أفراده, وما أحب أن أطيل
في هذا المقام لأني قد أشرت إليه من
قبل.
والذي انصح به نفسي وإخواني التريث وعدم العجلة, فيما
يفد إلينا, لاسيما ما يردنا من أعدائنا, فإنهم لا يرضون عنا حتى نكون مثلهم, قال
تعالى: {وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ
مِلَّتَهُم}البقرة120 ,وان يعتز المسلم بدينه ولا يغتر بالأقوال المزخرفة, فان
خلفها خواء عظيم, وفراغ روحي اليم {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا
مُسْلِمِينَ}الحجر(2) قال الضحاك: هذا التمني إنما هو عند
المعاينة في الدنيا حين تبين لهم الهدى من الضلالة. وقيل: في القيامة إذا رأوا
كرامة المؤمنين وذل الكافرين. وسؤال أهل الشأن من العلماء, وطلابهم المعروفين
بصدقهم وأمانتهم وعلمهم, قال ربنا عز وجل: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ
كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} النحل(43), وقال تعالى: {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ
الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ
أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ
لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً}النساء(83) .وتذكر الحسرات يوم نقف بين يدي الجبار {وَقالَ
الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما
تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ}البقرة(167), وقال تعالى: {وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يَا
لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}الأنعام(27). وان ننظر في كتاب ربنا وسنة نبينا بعين البصيرة والتدبر والتفكر ففيهما النجاة
والمخرج (إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه
الحديث)صحيح الترغيب والترهيب(40) .
والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق