قصص مكتوبة للاطفال: قصة نوح عليه الصلاة والسلام.. بقلم: ابي عبدالله فهمي البوري
سلسلة تربية الأبناء بأخلاق الأنبياء
قصص الأنبياء للأطفال
دروس وعبر
قصة نوح عليه الصلاة والسلام
لما مات آدم عليه الصلاة والسلام, والأرض مازالت عامرة بدين الإسلام, والناس عاكفة على عبادة ربها عز وجل (عشرة قرون كلهم على دين الإسلام)ابن حبان 6190, عن أبي أمامة قال ابن كثير على شرط مسلم ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأصنام, قال تعالى: {(وقالوا لا تذرن ءالهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً )نوح23 قال: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح, فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم, ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت)البخاري4920 عن ابن عباس}, فبعث الله عز وجل نوحاً عليه الصلاة والسلام, رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له, ونبذ ما سواه من الألهة الباطلة, وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض, وفي الحديث: (يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض)البخاري4712مسلم194 عن أبي هريرة.
فينبغي أن تعلموا يا أبنائي أن دعوة الرسل قاطبة هي دعوة واحدة وهي توحيد الله بالعبادة وحده لا شريك له (ولقد بعثنا في كل امة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)النحل36 .
إلّا أنّ قومه أحبوا العمى على الهدى, ونصبوا له العدى, فصبر عليهم ودعاهم إلى طريق السلامة, (ليلاً ونهاراً), ونوع دعوته معهم فقال : (ثم إني دعوتهم جهاراً . ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً) ورغبهم في عطاء الله (فقلت استغفروا ربكم انه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهاراً), فذكرهم وجادلهم ورغبهم وخوفهم, وتطاول زمانه معهم (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً)العنكبوت14,وكثرة المجادلة بينه وبينهم, (قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين)الاعراف60, أي أشرافهم وكبرائهم, (قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين . أبلغكم رسالات ربي وانصح لكم واعلم من الله ما لا تعلمون)الاعراف61-62 , فلم يفد كل ذلك معهم فكذبوه و تنقصوه ومن آمن معه وقالوا: (ما نراك إلّا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلّا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين)هود27 . أي ادمياً لا فضل لك علينا, وفوق هذا ليس معك من وجوه القوم, وما معك إلا اخساؤنا وسقطنا وسفلتنا (بادي الرأي) لا ينظرون في عواقب الأمور ولو نظروا لم يتبعوك. وهذا جهلا منهم, لأنهم عابوا نبي الله بما لا عيب فيه, إنما على الرسل أن يأتوا بالبراهين والآيات, وليس عليهم تغيير الصور والهيئات, وهم رسل الله إلى الناس جميعا, ونحن مع هذا لا نقر لكم بصدق دعوتكم بل نعتقد أنكم كاذبين.
وينبغي أن نتعلم يا أبنائي أن هذه الدعوة تحتاج إلى العلم والى الصبر, فالعلم يفري الشبهة, والصبر يغلب الشهوة قال تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)السجدة24 , وهو الصبر على الدين وعلى البلاء وعن الدنيا. وكما قيل في القاعدة المشهورة بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
فقال لهم نوح بخطاب رفيق: (يا قوم أراءيتم إن كنت على بينة من ربي وءاتاني رحمة من عنده) أي النبوة والرسالة, (فعميت عليكم) أي الهداية فلم تفهموها, (أنلزمكموها وانتم لها كارهون) , وهو استفهام بمعنى الإنكار, فلا يمكنني أن اضطركم إلي المعرفة بها.
وقد ردهم عن سؤالهم إياه بطرد الذين آمنوا معه, استرذالا منهم واحتقارا لهم, (وما انأ بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم), فيخاصموني عنده فيجازيهم بإيمانهم ويجازي من طردهم. (ويا قوم من ينصرني من الله) فيمنعني من عذابه (إن طردتهم أفلا تذكرون), ثم رجع على قولهم الأول: (ما نراك إلا بشراً مثلنا) بقوله: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله) وهي إنعامه على من يشاء, (ولا اعلم الغيب) فلا يعلم الغيب إلا الله , (ولا أقول إني ملك) فإنما أنا بشر مثلكم, (ولا أقول للذي تزدري أعينكم) أي تحتقرونهم (لن يؤتيهم الله خيراً) فتبطل أجورهم باحتقاركم إياهم, (الله اعلم بما في أنفسهم), فلما وجدوا أنهم قد خصموا, ولم ينالوا الذي طلبوه , (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا).
والمجادلة في الدين يا أبنائي محمودة فقد جادل نوح والنبيون أقوامهم ليظهروا الحق, وينبغي للمجادل أن يكون ذا علم, وذا حلم قال تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن)النحل125 أي برفق ولين, كما قال تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)العنكبوت46 وكما أمر موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام حين بعثهما إلى فرعون فقال: (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)طه44 , وأما الجدال لغير الحق حتى يظهر الباطل في صورة الحق فمذموم وصاحبه في الدارين ملوم.
أصل الجدال من السؤال وفرعه****حسن الجواب بأحسن التبيان
لا تغضبن إذا سئلـــــت ولا تصح****فكلاهما خلقان مذمـــــــــــــــــومان
ناظــــــــــــــــــر أديباً منصفا لك عاقلاً****وأنصفه أنت بحسب ما تريان
وإذا غلبت الخصم لا تهزأ به****فالعجب يخمد جمرة الإحسان
ومع طول الزمان, وقوة البيان, (و مآ ءامن معه إلا قليل)هود40 , (وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد ءامن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون)هود36 , وهو الإياس من إيمانهم, ولحوق الوعيد بهم, ولا يسوءنك ذلك فالنصر قريب والنبأ عجيب.
ودعا نوح ربه (قال ربي انصرني بما كذبون)المؤمنون26,39, و (قال ربي إن قومي كذبون . فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين)الشعراء117-118.
فأمره الله عز وجل وقال له: (اصنع الفلك بأعيننا ووحينا )هود37 أي بحفظنا ومرأى منا وعلى مرضاتنا, (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون)هود37, أي لا تراجعني فيهم, فقد وقع القول مني ونفذ القدر فيهم. فاستجاب لأمر ربه (ويصنع الفلك) أي السفينة, (وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه)هود38 من صنعته السفينة في اليابسة, واستبعادا لوقوع ما توعدهم به, (قال إن تسخروا منا) اليوم من صنعتنا السفينة. (فإنا نسخر منكم) غدا عند الغرق, والمراد بالسخرية الإستجهال, أي إن تستجهلوا عملنا, فنحن أحق بذلك منكم باستمرائكم الكفر واستعجالكم العذاب. (فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه), في الدنيا, وهذا الخطاب تهديد لهم, فلا محل للين معهم اليوم, (ويحل عليه عذاب مقيم) وذلك في الآخرة.
فالمتقرر يا أبنائي اعتقاد أن النار جزاء الكافرين, خالدين فيها أبدا, قال تعالى: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية)البينة6 .
وقد جعل الله لموعد العذاب آية: (حتى إذا جاء أمرنا و فار التنور)هود40 وهو وجه الأرض والعرب تسمي وجه الأرض تنورا , حتى نبعت الأرض وخرج الماء من تنانير الخبز, قال أمية:
فار تنورهم وجاش بماء****صار فوق الجبال حتى علاها
(قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك)هود40 , يعني ذكرا وأنثى, حتى يبقى نسل الخلق بعد الطوفان, واحمل اهلك (إلا من سبق عليه القول) بأنه من المغرقين, وهو ابنه وزوجته. واحمل معك (من ءامن ومآ ءامن معه إلا قليل). ثم قال لهم نوح: (اركبوا فيها بسم الله مجرىها ومرساها), أي جريانها على الماء وثباتها عليه, ويخبرنا ربنا بقوة ذلك الطوفان فقال: (وهي تجري بهم في موج كالجبال), وقال: (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر . وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر)القمر11-12 .
ولما يستيقن القوم الغرق بعد, وقبل رؤية اليأس, وكان من جملة المغرقين احد أبناء نوح عليه الصلاة والسلام, ولم يكن يعلم نوح بكفره, فقد كان يظهر الإيمان ويبطن الكفر, فما كان منه إلا ما قصه الله عز وجل: (ونادى نوح ابنه وكان في معزل)هود42 أي من دين أبيه وقيل عن السفينة, (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين)هود42 , فأجاب ابنه جواب من حق عليه القول بالهلكة, فلم يجب إلى النصح, (وقال سئاوي إلى جبل يعصمني) أي يمنعني (من الماء) فلا اغرق, (قال لا عاصم اليوم من أمر الله) أي لا مانع منه, وذلك أن الله استجاب لنوح دعوته (ربي لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا), (إلا من رحم), أي من رحمه الله فهو يعصمه.
فينبغي أن نتعلم من هذا يا أبنائي أمور:
أن أمر الله نافذ بمشيئته وحكمته وعلمه وقدرته, فلا يرده شي ولا يحول دون وقوعه حائل (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون), وأن لله جنود السماوات والأرض (وما يعلم جنود ربك إلا هو)المدث31 .
وان صلة الدين أعظم من صلة النسب مع اختلاف الدين, قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)الحجرات10 وقال في حق من كفر: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءابآءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم)المجادلة22 .
فدعا حينها نوح عليه الصلاة والسلام (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي) الذين وعدتني أن تنجيهم من الغرق, (وإن وعدك الحق), قال العلماء: وإنما نسي نوح عليه الصلاة والسلام قوله (إلا من سبق), وقد ظنه نوح انه مؤمن, ولم يكن ليسأل نجاته لو علم كفره, وقد علم الله ذلك منه , فقال: (إنه ليس من أهلك) أي ليس من أهل دينك ولا ولايتك الذين وعدتهم أني أنجيهم.
وفي هذه الآية تسلية للخلق في فساد أبنائهم وإن كانوا صالحين, فالأدب أدب الله لا أدب ألآباء والأمهات وإنما هم أسباب, والخير خير الله لا خير الآباء والأمهات.
(إنه عمل غير صالح) من الكفر والتكذيب, على قراءة (عَمِلَ) بفتح العين وكسر الميم وفتح اللام, أو أنه ذو عمل غير صالح, على من قرأ (عَمَلٌ), ويجوز أن تكون الهاء للسؤال, أي أن سؤالك أن أنجيه عمل غير صالح, (فلا تسألني ما ليس لك به علم) وقد أخذت عليك من قبل أن ( ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) , (إني أعظك أن تكون من الجاهلين), فقال نوح: (رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم), (وإلا تغفر لي) ما فرط من السؤال (وترحمني) بالتوبة , (أكن من الخاسرين) أعمالاً .
(وحال بينهما الموج) يعني بين نوح وأبنه, (فكان من المغرقين), أي من جملة من أغرقنا من الكافرين, فلم تفده قرابته مع كفره.
لعمرك ما الإنسان إلا بدينــــــــــــــه****فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس****وقد وضـــع الشرك الشريف أبا لهب
فلما قضى الله فيهم أمره, فهلك من كتب عليهم الغرق من الكافرين, ونجّي من كتب لهم البقاء من المؤمنين, (وقيل يا أرض ابلعي مآءك ويا سماء أقلعي) فأمرت الأرض بابتلاع الماء والسماء بالإمساك عن المطر, (وغيض الماء) أي نقص , (وقضي الأمر) أي أحكم وفرغ منه على ما أراد الله أتم إحكام. (واستوت) السفينة, (على الجودي) أي الجبل, (وقيل بعداً للقوم الظالمين) أي هلاكاً لهم.
فأرجو يا أبنائي أن تكونوا قد أخذتم من القصة عبرة, (لقد كان في قصصهم عبرة).
والحمد لله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق