جاري تحميل ... صقر الفوايد والشرايد

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

قصص مكتوبة للاطفال.. قصة آدم عليه الصلاة والسلام، بقلم: ابي عبدالله فهمي البوري

سلسلة تربية الأبناء بأخلاق الأنبياء
قصص الأنبياء للأطفال
دروس وعبر
قصة آدم عليه الصلاة والسلام
لما أراد الله عز وجل خلق ادم عليه الصلاة و السلام, اخبر ملائكته على سبيل التنويه بخلقه, كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه, فقال: (إني جاعل في الأرض خليفة)البقرة30 ,فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام , لا على وجه الاعتراض على الله فإنهم: (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)الانبيا27 . فقالوا: ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء), لما علموا من  إعلام الله إياهم أنهم سيسفكون الدماء, ويفسدون في الأرض , وهم يعلمون بغض الله لذلك.
فقالوا أن كان المراد بخلق هؤلاء أن يعبدوك فها (نحن نسبح بحمدك ونقدس لك) ليلا ونهارا لا يعصيك منا احد, فقال و قد علمهم علما وطوى عنهم آخر(إني اعلم ما لا تعلمون) , من المصلحة الراجحة في خلق هؤلاء, وانه سيكون فيهم الأنبياء و المرسلون والصديقون والشهداء والصالحون.
وهكذا يا أبنائي ينبغي علينا إذا سمعنا الأمر من الله أن لا نعترض و أن نقول (سمعنا واطعنا).
(فان الله عز وجل خلق ادم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر و الأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن و الخبيث والطيب)رواه احمد عن أبي  موسى صحيح الجامع1755.
وهنا يا أبنائي ينبغي أن نرضى بما قسم الله لنا من الخلق, ونعلم أن الله قد قدر علينا ذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
فبل ذلك التراب فكان أول خلقه (من طين لازب)الصافات11, وهو الذي يلتصق بعضه ببعض, ثم ترك حتى انتن فكان (من حمإ مسنون)الحجر26, ثم ترك حتى يبس فصارت له صلصلة, فذلك حين يقول: (من صلصال كالفخار)الرحمن14,وقد خلقه الله يوم الجمعة بيده لكيلا يتكبر إبليس عنه. يقول: أتتكبر عما خلقت بيدي ولم أتكبر أنا عنه, فلما بلغ الحين الذي أراد أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة:(فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين , فسجد الملائكة كلهم أجمعون)الحجر29-30, ولم يخالف الأمر منهم احد (إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين)الحجر31, واستكبر في نفسه (قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون)الحجر33, فنال من الله الطرد واللعن (قال فاخرج منها فانك رجيم . وان عليك اللعنة إلى يوم الدين)الحجر34-35, ثم يدخل النار (فبئس المصير).
ومن هنا نعلم يا أبنائي أن الكبر والحسد من أخلاق إبليس المؤدية إلى النار, والواجب أن نتخلق بضدها من التواضع ومحبة الخير للغير.
فشرف الله آدم بالعلم, فعلمه (الأسماء كلها), إلهاما منه, ويحتمل أن يكون بواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام من قول الله (علم) غير مسمى الفاعل, فعلم آدم أسماء الأشياء كلها مما يتعارف عليها الناس من الجبال والدواب والأرض والسهل والحيوانات وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. وفي الحديث (وعلمك أسماء كل شيء)البخاري447مسلم193 .ثم عرض ربنا عز وجل هذه الأشياء على الملائكة (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين), فأجابوا إجابة الصادقين المعترفين بعدم الإحاطة بعلم ما لم يعلمهم الله إياه فقالوا: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم).
فانظروا يا أبنائي إلى شرف العلم وفضله, لذا فالواجب علينا أن نسعى في طلبه وتحصيله وان نستعمله في الخير وتعليم الناس, فإذا غاب عنا شيء فنرد علمه إلى عالمه ونسعى في طلب تعلمه ولا نتعالم ونقول ما لا نعلم فأن ادعى علم ما لا نعلمه شين ورده إلى عالمه زين.
قال زيد بن الوليد بن عبد الملك:
إذا ما تحدثت في مجلـس****تناهى حديثي إلى ما علمت
ولم اعد علمــــي إلــــى غيره****وكان إذا ما تناهـــــــــــى صمت
فقال الله: (يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبئهم بأسمائهم قال الم اقل لكم إني اعلم غيب السماوات والأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون), ثم قال للملائكة: (اسجدوا لآدم فسجدوا) وهذا دليل شرف لآدم حيث جعله بمنزلة المعلم والملائكة بمنزلة التلاميذ, فحصلت له رتبة الجلال والعظمة بأن جعله مسجودا له , مختصا بالعلم.
فصارت خصلة الخضوع والتواضع تأدبا من الملائكة مع بني آدم كلما ظهر لهم من احدهم علما (وان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم)رواه احمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة بسند حسن عن صفوان بن عسال. فهذا فيمن طلب العلم فكيف بالأحبار والربانيين, جعلنا الله منهم.
إلا إن إبليس أبى السجود, استكبارا منه وإعجابا بنفسه فقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين), فتعصب لأصله فجره ذلك التعصب لعدم امتثال الأمر فكانت هلكته.
فالتعصب يا أبنائي مذموم يحمل صاحبه إلى عدم قبول الحق ورده المفضي إلى خسارة الدارين.
ثم إن الله أمر آدم فقال: (اسكن أنت وزوجك الجنة) فاستمتعا بها (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى . وانك لا تظمؤا فيها ولا تضحى)طه118,119 , وذكر الله عز وجل خلقا آخر وهي الزوجة, فان آدم استوحش, فخلق الله له زوج يسكن إليها (خلقت من ضلع)مسلم من حديث أبي هريرة.
هي الضلع العـوجاء لست تقيمها****ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى****أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
فكان لهم فيها من رغد العيش وطيب المأكل من قوله (وكلا منها رغدا حيث شئتما) وهو : العيش الدار ألهني الذي لا عناء فيه.
بينما المرء تراه ناعما****يأمن الأحداث في عيش رغد
فامتحن الله ادم فقال: (ولا تقربا هذه الشجرة) إيذانا بوقوع القدر عليه من خروجه من الجنة
وتصديق قوله: (إني جاعل في الأرض خليفة).
فما كان من إبليس إلا أن مد حبله, واجلب بخيله ورجله, فعمد إلى الوسوسة وقال لآدم: (هل أدلك على شجرة الخلد وملكا لا يبلى)طه120 , وقال: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين . وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين . فدلاهما بغرور)الاعراف20-22 .(فأكلا منها), وذلك نسيانا منهما بالوعيد قال تعالى: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما)طه115 .فانكشف الستر عنهم (فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة), حتى يسترا ما انكشف من عوراتهم.
فالخطيئة يا أبنائي تورث الندم , وتلحقها النقم, فينبغي اجتنابها, والتوبة عند ارتكابها, ومفارقة أربابها, تدخلوا الجنة من أبوابها.
فلما كان من آدم ما كان أتاه النداء الرباني من الغفور الرحيم: (الم أنهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين)الاعراف22, فما كان منها إلا أن أنابا إلى ربهما وتابا إليه (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)الاعراف23 , فهذا السر ما سرى في احد من ذريته إلا كانت عاقبته إلى خير في دنياه وأخراه, فقبل الله توبته بقوله: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم).
وهكذا لتعلموا يا أبنائي فضل التوبة وان الله يحب أهلها (إن الله يحب التوابين) , ولتعلموا أن الطريق مملوء بالعثرات, وان الشيطان وقف على الطرقات, ونصب شباك الشهوات والشبهات, فمهما زلت بك قدمك, وخارت بك قوتك, فلا تيأس... واجمع ثيابك, وشمر عن ساقك, وعد إلى ربك, واعتذر من ذنبك, فلن يخيب لك رجا, من رب أهل الأرض والسما القائل: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم)الزمر53.
يا رب إن عظمت ذنوبــي كثرة****فلقد علمت بان عفوك أعظـــــم
إن كان لا يرجوك إلا محســـن****فمن الذي يدعو ويرجو المجرم
ادعوك ربي كما أمرت تضرعا****فإذا رددت يدي فمن ذا يرحـــم
مالــــي إليك وسيـــلة إلا الرجا****وجميل عفوك ثم إني مسلـــــم
ثم أمرا بالهبوط من الجنة آدم وإبليس وحوا داخلة في الخطاب تبعا مع آدم عليه الصلاة السلام, وهبوط آدم لم يكن عقوبة له لان آدم قد تاب قبل هبوطه وقد تقبل الله توبته , فإنما كان ذلك تأديبا, ولأن في اهباطه الأرض ما قد ظهر في الحكمة الأزلية في ذلك, وهي نشر نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم, ويرتب على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي, إذ الجنة والنار ليستا بدار تكليف ,فكانت تلك الأكلة سبب اهباطه من الجنة . ولله أن يجعل ما يشأ وقد قال: (إني جاعل في الأرض خليفة) وذلك قبل أن يخلقه. وهيئت الأرض لإقامتهم فيها قال تعالى: (ولكم في الأرض مستقر) على ظهرها مدة حياتكم وفي بطنها بعد وفاتكم, وسخر لهم متع الدنيا من ملبس ومأكل ومنكح ومشرب (ومتاع إلى حين). وفي ذلك حاج موسى آدم عليهم الصلاة والسلام فقال له: ( أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم . قال آدم: يا موسى , أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه , أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني – أو : قدره علي قبل أن يخلقني؟) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فحج آدم موسى) البخاري4738مسلم2652 .
وهنا أمور ينبغي أن ننتبه إليها يا أبنائي وهي أن نؤمن ونسلم للقدر خيره وشره حلوه ومره, ولا نلوم المذنب بعد توبته, وأن المؤمن مأمور بالرجوع إلى القدر عند المصائب, لا عند الذنوب والمعايب, فيصبر على المصائب, ويستغفر من الذنوب كما قال تعالى: (فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك)غافر55 . ولذلكم فإن موسى لامه من جهة المصيبة لا من جهة الذنب, فكيف وموسى عليه الصلاة والسلام قد قتل نفسا لم يؤمر بقتلها وقد سأل الله في ذلك بقوله: (رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له)القصص16, فغلب آدم موسى عليهم الصلاة والسلام, لان هذا أمر قد علمه الله وكتبه وقدره عليه قبل أن يخلقه, وقدر الله نافذ في خلقه, فلابد من وقوعه فلو حرصت الخلائق أجمعون على رد مثقال ذرة منه لم يقدروا, ولو كان الجواب على اللوم على الذنب بالقدر المتقدم كتابه على العبد , لانفتح هذا لكل من ليم على أمر قد فعله , فيحتج بالقدر السابق فينسد باب القصاص والحدود ولأفضى هذا إلى لوازم فظيعة.
وكذا يا أبنائي نعلم شؤم المعاصي وخطرها وإن صغرت فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه)صححه الألباني عن ابن مسعود, ولرب معصية يفعلها احدنا فتكون بها زلة القدم , وحلول النقم, وطول البكاء والندم, فيتكدر طيب العيش, ويستبدل الرشد بالطيش, فلا دين يردع , ولا أذن تسمع , ولا قلب يخشع, فتصير الدنيا غالبة, والنفس لها طالبة, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى****واصنع كماش فوق ارض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
فهبطا منها فكانت العداوة بينهما دائمة, والحرب قائمة, كيف لا وآدم حامل لواء التوبة والإيمان, وإبليس حامل لواء الكبر والكفران, , والناس كإبل سائمة, فمن سلك منهم مسلك أبيه وانتحى , (فان الجنة هي المأوى), ومن سلك مسلك إبليس و به اقتفى, (فان الجحيم هي المأوى), فالواجب الحذر, (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج أبويكم من الجنة)الاعراف27 .

ثم مكث ادم في الأرض نبيا يوحى إليه من ربه, يحكم ذريته بأمر الله ماشأ الله, فلما حضرته الوفاة كان من خبره ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم انه: " لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عينى كل إنسان منهم وبيصا من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلا فأعجبه وبيص مابين عينيه، فقال: أي رب من هذا ؟ قال هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود، قال: رب وكم جعلت عمره ؟ قال ستين سنة، قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة.  فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت، قال: أو لم يبق من عمري أربعون سنة ؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود ؟ قال: فجحد فجحدت ذريته، ونسى آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته ".  ثم قال الترمذي: حسن صحيح.  وقد روى من غير وجه عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.  ورواه الحاكم في مستدركه من حديث أبى نعيم الفضل ابن دكين، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.  وفي الختام ارجوا يا أبنائي أن تكون استفدتم من القصة وأخذتم منها العبرة (لقد كان في قصصهم عبرة)يوسف111 .
والحمد لله.
وكتبه: ابوعبدالله فهمي البوري

هناك تعليق واحد:

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

مدونة صقر الفوايد والشرايد. هى مدونة عربية يمنية مهتمة بمجال العلوم الاسلامية, تقدم شروحات وخطب ومقالات حصرية فى هذا المجال , كما توجد ايضا اقسام متنوعة فى عدد من المجالات الاخرى , وايضا المدونة تجد فى العديد من الشروحات فى مجال تربية الناشئة وايضا نقدم بعض الطرق للسير في هذه الدعوة الى الله على نور وبصيرة من الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح , تم انشاء المدونة بداية العام 1441ه