محاضرة بعنوان مراتب الهداية ومسألة القدر... بقلم ابي عبدالله فهمي البوري
الهداية لغة: هي مصدر قولهم: هدى يهدي، ماخوذ من مادة (ه د ى) التي تدل على اصلين: احدهما: التقدم للارشاد، والاخر: بَعْثَةُ لَطَفٍ، فالاول قولهم: هديته الطريق هداية تقدمته لارشده، والاصل الاخر الهدية: وهي ما اهديت من لطف الى ذي مودة.
واصطلاحا: قال الـُمنَاوي جمعا بين تعريف الراغب والجرجاني: الهداية دلالة بلطف الى مايوصل الى المطلوب.
ومن المعلوم ان افضل مايقدر الله لعبده الهدى، واعظم مايبتليه به ويقدر عليه الضلال، وكل نعمة دون نعمة الهدى، وكل مصيبة دون مصيبة الضلال.
فحاجتنا الى الهداية حاجتنا الى الطعام والشراب، بل اشد من ذلك، ولذا فنحن مأمورون بسؤال ربنا الهداية في كل ركعة من صلاتنا، وسؤالنا يتضمن امرين:
الهداية الى الصراط، والهداية فيه، لانه قد يستبين للرجل السبيل، ولاتتميز له تفاصيل سيره فيه، وقد قال ابن عباس في قوله تعالى:(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)، قال: سبيل وسنة فالسبيل الطريق، وهي المنهاج، والسنة الشرعة، وهي تفاصيل الطريق.
وهذه المسألة هي قلب ابواب القدر ومسائله، والله عز وجل يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وان الهدى والاضلال بيده، وان العبد هو الضال المهتدي، فالهداية والاضلال فعله سبحانه وقدره، والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه وقد وردت مراتب الهدى والضلال في القران، فأما مراتب الهدى فأربعة:
الاولى: الهدى العام، وهي الهداية الى مايصلحها، ودفع مايضرها، مما يكون به قوام عيشها.
وهذه المرتبة تشترك فيها الخلائق من البشر، والحيوان مما يكون في البر والبحر، والطير، والنبات.
قال ربنا عز وجل: (سبح اسم ربك الاعلى. الذي خلق فسوى. والذي قدر فهدى) ، قال ابن القيم:(فذكر سبحانه اربعة امور عامة: الخلق، والتسوية، والتقدير، والهداية، وجعل التسوية من تمام الخلق، والهداية من تمام التقدير، قال عطا: (خلق فسوى)، احسن ما خلقه، وشاهده قوله تعالى:(الذي احسن كل شئ خلقه)، فإحسان خلقه يتضمن تسويته، وتناسب خلقه واجزائه، بحيث لم يحصل بينهما تفاوت يخل بالتناسب والاعتدال، فالخلق الايجاد، والتسوية إتقانه واحسان خلقه) شفاء العليل1/230.
والخلق والتسوية شامل للانسان وغيره قال تعالى:(ونفس وما سواها)، وقال تعالى:(فسواهن سبع سماوات)، فالتسوية امر وجودي يتعلق بالتأثير والابداع، فما عدم منها فلعدم ارادة الخالق للتسوية، وذلك امر عدمي يكفي فيه عدم الابداع والتأثير.
واما التقدير والهداية: قال مقاتل: قدر خلق الذكر والانثى من الدواب، فهدى الذكر للانثى كيف يأتيها، وذلك لكثرة الخلائق التي خلقها وكثرة ماهي عليه من الصور، ثم ان الله جعل لكل ذكر سبيل الى انثاه، والاية اعم من ذلك، وما هذا الا مثالا واحدا من امثلة الهداية التي لا يحصيها الا الله.
ومن صور تلك الهدايات:
واصطلاحا: قال الـُمنَاوي جمعا بين تعريف الراغب والجرجاني: الهداية دلالة بلطف الى مايوصل الى المطلوب.
ومن المعلوم ان افضل مايقدر الله لعبده الهدى، واعظم مايبتليه به ويقدر عليه الضلال، وكل نعمة دون نعمة الهدى، وكل مصيبة دون مصيبة الضلال.
فحاجتنا الى الهداية حاجتنا الى الطعام والشراب، بل اشد من ذلك، ولذا فنحن مأمورون بسؤال ربنا الهداية في كل ركعة من صلاتنا، وسؤالنا يتضمن امرين:
الهداية الى الصراط، والهداية فيه، لانه قد يستبين للرجل السبيل، ولاتتميز له تفاصيل سيره فيه، وقد قال ابن عباس في قوله تعالى:(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)، قال: سبيل وسنة فالسبيل الطريق، وهي المنهاج، والسنة الشرعة، وهي تفاصيل الطريق.
وهذه المسألة هي قلب ابواب القدر ومسائله، والله عز وجل يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وان الهدى والاضلال بيده، وان العبد هو الضال المهتدي، فالهداية والاضلال فعله سبحانه وقدره، والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه وقد وردت مراتب الهدى والضلال في القران، فأما مراتب الهدى فأربعة:
الاولى: الهدى العام، وهي الهداية الى مايصلحها، ودفع مايضرها، مما يكون به قوام عيشها.
وهذه المرتبة تشترك فيها الخلائق من البشر، والحيوان مما يكون في البر والبحر، والطير، والنبات.
قال ربنا عز وجل: (سبح اسم ربك الاعلى. الذي خلق فسوى. والذي قدر فهدى) ، قال ابن القيم:(فذكر سبحانه اربعة امور عامة: الخلق، والتسوية، والتقدير، والهداية، وجعل التسوية من تمام الخلق، والهداية من تمام التقدير، قال عطا: (خلق فسوى)، احسن ما خلقه، وشاهده قوله تعالى:(الذي احسن كل شئ خلقه)، فإحسان خلقه يتضمن تسويته، وتناسب خلقه واجزائه، بحيث لم يحصل بينهما تفاوت يخل بالتناسب والاعتدال، فالخلق الايجاد، والتسوية إتقانه واحسان خلقه) شفاء العليل1/230.
والخلق والتسوية شامل للانسان وغيره قال تعالى:(ونفس وما سواها)، وقال تعالى:(فسواهن سبع سماوات)، فالتسوية امر وجودي يتعلق بالتأثير والابداع، فما عدم منها فلعدم ارادة الخالق للتسوية، وذلك امر عدمي يكفي فيه عدم الابداع والتأثير.
واما التقدير والهداية: قال مقاتل: قدر خلق الذكر والانثى من الدواب، فهدى الذكر للانثى كيف يأتيها، وذلك لكثرة الخلائق التي خلقها وكثرة ماهي عليه من الصور، ثم ان الله جعل لكل ذكر سبيل الى انثاه، والاية اعم من ذلك، وما هذا الا مثالا واحدا من امثلة الهداية التي لا يحصيها الا الله.
ومن صور تلك الهدايات:
- هداية الطفل الى اخذ ثدي امه، ومعرفته امه، وانت حين ترى البهائم والوحش والطير حين تضع صغارها كيف تتبع امهاتها.
- وهداية الطير الى بناء اعشاشها بأشكال متفاوتة عجيبة، تعجز عنها اليد البشريه ان تصنع مثلها.
- ومن عجيب الهدايات هداية النمل، انها تجمع اقواتها في اوقات الامكان، فاذا خزنتها عمدت الى ما ينبت منها ففلقته فلقتين لئلا ينبت، فاذا كان ينبت مع فلقه باثنتين فلقته باربعة، فإذا اصابه بلل وخافت عليه العفن والفساد، انتظرت به يوما ذا شمس، فخرجت به فنشرته على ابواب بيوتها، ثم اعادته اليها، و لا تتغذى منها نملةعلى ماجمعه غيرها.
قال ابن القيم: ولقد حدثني من اثق به، ان نملة خرجت من بيتها فصادفت شق جرادة، فحاولت ان تحمله فلم تطق، فذهبت وجاءت معها باعوان يحملنه معها، قال: فرفعت ذلك من الارض، فطافت في مكانه فلم تجده، فانصرفوا وتركوها، قال: فوضعته، فعادت تحاول حمله فلم تقدر، فذهبت وجاءت بهم، فرفعته، فطافت فلم تجده، فانصرفوا، قال: فعلت ذلك مرارا، فلما كان في المرة الاخيرة استدارالنمل حلقة، ووضعوها في وسطها وقطعوها عضوا عضوا، قال شيخنا: وقد حكيت له هذه الحكاية فقال: (هذه النمل فطرها الله سبحانه على قبح الكذب وعقوبة الكذاب.
ولذلكم فان الكثير من العقلاء يتعلم من الحيوان البهيم امور تنفعه في معاشه واخلاقه، وصناعته، وحربه، وحزمه، وصبره.
وهذه الهداية من الامور التي يستدل بها على الكفرة، والملحدين من اعداء هذا الدين، فان موسى لما دعا فرعون الى عبادة الله عز وجل قال له فرعون:(فمن ربكما يا موسى)، فاجابه موسى بهذه الهداية العامة، قال: (ربنا الذي اعطى كل شئ خلقه ثم هدى)، قال عطية ومقاتل: اعطى كل شي صورته، وقال الحسن وقتادة: اعطى كل شي صلاحه.
وكثيرا ما يجمع الله بين الخلق والهداية، وذلك ليدل على انه ماخلق هذا الخلق العظيم الا ليعبدوه ولا يتأتى لهم ذلك الا بالهداية العلمية والذهنية، قال تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، وقال تعالى:(الرحمن. علم القران. خلق الانسان. علمه البيان)، وقال تعالى:(انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا. انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا).
ومن جميل ما قيل في ذلك قول الشاعر:
لله في الآفاق آيات لعل *** أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا *** حاولت تفسيراً لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى *** من يا طبيب بطبه أرداكا؟
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما *** عجزت فنون الطب : من عافاكا؟
قل للصحيح يموت لا من علة *** من بالمنايا ياصحيح دهاكا؟
قل للبصير وكان يحذر حفرة ***فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟
بل سائل الأعمى خطا بين الزَّحام *** بلا اصطدام : من يقود خطاكا؟
قل للجنين يعيش معزولا بلا *** راع ومرعى : مالذي يرعاكا؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء *** لدى الولادة : مالذي أبكاكا؟
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه *** فاسأله : من ذا بالسموم حشاكا؟
وأسأله كيف تعيش ياثعبان أو *** تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟
وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت ***شهداً وقل للشهد من حلاَّكا؟
بل سائل اللبن المصفى كان بين *** دم وفرث مالذي صفاكا؟
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا *** ميت فاسأله: من أحياكا؟
وإذا ترى ابن السودِ أبيضَ ناصعاً *** فاسأله : مِنْ أين البياضُ أتاكا؟
وإذا ترى ابن البيضِ أسودَ فاحماً *** فاسأله: منْ ذا بالسواد طلاكا؟
قل للنبات يجف بعد تعهد *** ورعاية : من بالجفاف رماكا؟
وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو *** وحده فاسأله : من أرباكا؟
وإذا رأيت البدر يسري ناشرا *** أنواره فاسأله : من أسراكا؟
وأسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد *** كلّ شيء مالذي أدناكا؟
قل للمرير من الثمار من الذي *** بالمر من دون الثمار غذاكا؟
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى *** فاسأله : من يانخل شق نواكا؟
وإذا رأيت النار شب لهيبها *** فاسأل لهيب النار: من أوراكا؟
وإذا ترى الجبل الأشم منا طحاً *** قمم السحاب فسله من أرساكا؟
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال *** جرى فسله؟ من الذي أجراكا؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج *** طغى فسله: من الذي أطغاكا؟
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا *** فاسأله : من ياليل حاك دجاكا؟
وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحياً *** فاسأله: من ياصبح صاغ ضحاكا؟
هذي عجائب طالما أخذت بها *** عيناك وانفتحت بها أذناكا!
والله في كل العجائب ماثل *** إن لم تكن لتراه فهو يراكا.
المرتبة الثانية:
هداية الارشاد والدلالة والبيان، وهذه اخص من الاولى، لانها متعلقة بالمكلفين، وهي لاتستلزم حصول التوفيق والهداية، فقد يتخلف المقتضى لوجود مانع، قال تعالى:(وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى)،
وهذا نوح عليه الصلاة والسلام دعا ولده الى الهدى والخير، فلم يستجب قال ربنا:(ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق وانت ارحم الراحمين) فهداهم الله هدى الارشاد والدلالة، من ارسال الرسل، وانزال الكتب، فلم يقبلوه، فاضلهم الله عقوبة لهم.
وهذا شأن كل من انعم الله عليه بنعمة فكفرها، ان يسلبه الله اياها، قال تعالى:(ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) .
وهذه الهداية هي التي اثبتها لرسوله، حيث قال:(وانك لتهدي الى صراط مستقيم)، ونفى عنه ملك الهداية الموجبة، وهي هداية التوفيق، وقد جمع الله بين الهدايتين بقوله:(والله يدعوا الى دار السلام ويهدي من يشاء الى صراط مستقيم)، فعم بالدعوةحجة منه وعدلا، وخص بالهداية نعمة منه وفضلا.
فلا يعذب الله احدا حتى يقيم عليه الحجة، قال تعالى:(وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، وقال تعالى:(رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل).
فان قيل : كيف تقوم حجته عليهم وقد منعهم من الهدى، وحال بينهم وبينه؟
قيل: حجته قائمةعليهم بتخليته بينهم وبين الهدى، وبيان الرسل لهم، وإراتهم الطريق المستقيم، حتى كأنهم يشاهدونه عيانا، واقام لهم اسباب الهداية ظاهرا وباطنا، ولم يحل بينهم وبين تلك الاسباب، ومن حال بينه وبينها منهم بزوال عقل او صغر لا تمييز له، او كونه بناحية من الارض لم تبلغه دعوة رسله، فانه لا يعذبه حتى يقيم عليه حجته، فلم يمنعهم من الهدى، ولم يحل بينهم وبينه، نعم قطع عنهم توفيقه، ولم يرد من نفسه إعانتهم والاقبال بقلوبهم اليه، فلم يحل بينهم وبين ما هو مقدور لهم، وان حال بينهم وبين ما لايقدرون عليه، وهو فعله ومشيئته وتوفيقه فهذا غير مقدور لهم، وهو الذي منعوه، وحيل بينهم وبينه، فتأمل هذا الموضع، واعرف قدره.
المرتبة الثالثة:
هداية التوفيق و الالهام، وخلق المشيئة المستلزمة للفعل، وهذه المرتبة هي التي ضل فيها جهال القدرية، وهذه المرتبة تستلزم امرين:
الاول: فعل الرب تعالى وهو الهدى.
الثاني: فعل العبد وهو الاهتداء، وهو اثر فعله سبحانه فهو الهادي، والعبد المهتدي، قال تعالى:(من يهد الله فهو المهتد)، فلا يحصل الاهتداء للعبد، ما لم تحصل الهداية من الله، قال تعالى:(ان تحرص على هداهم فان الله لايهدي من يضل)، فعلى هذا فهذه ليست لاحد من الخلق لا نبي ولاملك وانما هي لله وحده، ولذلك قال ربنا عز وجل لنبيه (انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين).
وفي هذه المرتبة زلت اقدام كثير من الخلق، يحتجون بسابق القدر، ويقولون: انه قد مضى الامر، والشقي شقي، والسعيد سعيد، محتجين ببعض النصوص، كقوله سبحانه:(ان الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون)، وغيرها من الادلة؟
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:(هؤلاء القوم اذا اصروا على هذا الاعتقاد كانوا اكفر من اليهود والنصارى، فان اليهود يؤمنون بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، والثواب والعقاب، لكن حرفوا وبدلوا وامنوا ببعض وكفروا ببعض، كما قال الله تعالى:(ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا. اولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينا). فاذا كان من امن ببعض وكفر ببعض فهو كافر حقا، فكيف بمن كفر بالجميع ولم يقر بأمر الله ونهيه، ووعده ووعيده، بل ترك ذلك محتجا بالقدر، فهو اكفر ممن امن ببعض وكفر ببعض). مجموعة الفتاوى5/165.
فنقول اولا: ان الله علم الامور وكتبها على ماهي عليه، فهو العليم بكل شي، قال ربنا:(ان الله بكل شي عليم)، فلا يغيب عن علمه شي، يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لوكان كيف يكون، قال ربنا:(ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه)، وقال تعالى :(لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا) وان علم الله ليس كمثله شي، قال ربنا:(ليس كمثله شئ وهو السميع البصير)، وقال:(الا يعلم من خلق وهواللطيف الخبير)، فإن علم ان فلانا يؤمن ويعمل صالحا فيدخل الجنة، كما قال تعالى:(وبشر الذين امنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار)،فمن قال انه يدخل الجنة بلا عمل صالح، كان قوله باطلا، متناقضا، لما علمه الله وقدره، ومن قال انا لا أطأ امراة ويولد لي كان متناقضا لما علمه الله، بقوله:(فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به).
الامر الثاني: في باب العلم، ان العلم بأن الشئ سيكون كالعلم بالشئ الذي قد كان، اذ هذا العلم ليس موجبا بنفسه لوجود المعلوم باتفاق العلماء، بل هو مطابق له على ما هو عليه، لا يكسبه صفة ولا يكتسب منه صفة بمنزلة علمنا بالامور التي كانت قبل وجودنا، وهذا ما يسمى بالعلم الانفعالي، فاذا كان علمنا يدعونا الى الفعل، فلابد ان يصحب بالارادة والقدرة والمشيئة التي يكون لها تأثير على الفعل، وهو ما يسمى بالعلم الفعلي.
والامر الثاني: الكتابة، والقول فيها كالقول في العلم، قال ربنا عز وجل:(ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في السماء الا في كتاب من قبل ان نبرأها)، وعن عبدالله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السماوات والارض بخمسين الف سنة وكان عرشه على الماء).
وهذه المسألة قد اجاب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن عمران بن الحصين، قال:قيل يارسول الله اعلم اهل الجنة من اهل النار؟ قال: نعم، قيل:ففيم يعمل العاملون؟ قال:كل ميسر لما خلق له. وروى مسلم في صحيحه عن ابي الاسود الدؤلي قال:قال لي عمران بن حصين :أرأيت ما
يعملالناس اليوم ويكدحون فيه، اشي قضى عليهم ومضى عليهم من قدر سابق، او فيما يستقبلون به مما اتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شي قضى عليهم ومضى عليهم، قال: افلا يكون ذلك ظلما؟ قال: ففزعت من ذلك فزعا شديدا، وقلت: كل شئ خلق الله وملك يده فلايسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال: يرحمك الله! اني لم ارد بما سألتك الا لأجود عقلك، ان رجلين من مزينة أتيا رسول. الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يارسول الله، ارأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشئ قضى عليهم ومضى فيهم من قدر سابق او فيما يستقبلون به مماأتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟ قال: لا بل شئ قضى عليهم، ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله:(ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها).
فقد بين ان النبي صلى الله عليه وسلم ان ذلك لا ينافي العمل بل امر به فقال:(اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، ونهى عن الاتكال على القدر، وان تركه للعمل من جملة المقدور الذي يسروا به لعمل الشقاوة، .
بل ان الله قد يجتبي من رسله من يشأ ويطلعه على بعض ما يكون فلا يدع العمل اتكالا على العلم، فان النبي صلى الله عليه وسلم، خرج يوم بدر فأخبر اصحابه بمصارع المشركين فقال:(هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان)، ثم دخل العريش، وجعل يجتهد في الدعاء ويقول:(اللهم انجز لي ماوعدتني)؛ من حديث عمر بن الخطاب، وذلك لان علمه بالنصر، لا يمنع ان يفعل السبب الذي ينصر، وهو الاستغاثة بالله، بل اعد لهم النبي صلى الله عليه وسلم الرمح والسنان والرجال والقتال كل ذلك اخذا منه بالاسباب، مع علمه بمصير القوم.
فعلى هذا فالواجب ان القدر نؤمن به ولانحتج به، فمن احتج بالقدر فحجته داحضة، ومن اعتذر بالقدر فعذره غير مقبول، فآدم لما عصى ربه نزع وتاب، ولم يحتج بالقدر، فتاب الله عليه وغفر له، قال ربنا:( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم)، وابليس لما احتج على ربه بالقدر، لعنه وطرده، (قال ربي بما اغويتني)، فمن احتج بالقدر فقد اشبه ابليس، ومن لم يحتج بالقدر فقد اشبه آدم، ولو كان القدر حجة للعباد ما عذب، الله احدا، ولم تقطع يد سارق، ولا قتل قاتل، ولا اقيمت حدود، ولا امر بمعروف ولا نهي عن. منكر، ولوكان هذا لكان فساد الدنيا والدين.
المرتبة الرابعة:
الهداية الى الجنة والنار يوم القيامة:
قال تعالى:(احشروا الذين ظلموا وازواجهم وما كانوا يعبدون .من دون الله فاهدوهم الى صراط الجحيم)، واهل الجنة يقولون (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله).
والحمد لله.
المصادر:
مجموعة الفتاوى/لابن تيمية.
شفاء العليل/لابن القيم.
ولذلكم فان الكثير من العقلاء يتعلم من الحيوان البهيم امور تنفعه في معاشه واخلاقه، وصناعته، وحربه، وحزمه، وصبره.
وهذه الهداية من الامور التي يستدل بها على الكفرة، والملحدين من اعداء هذا الدين، فان موسى لما دعا فرعون الى عبادة الله عز وجل قال له فرعون:(فمن ربكما يا موسى)، فاجابه موسى بهذه الهداية العامة، قال: (ربنا الذي اعطى كل شئ خلقه ثم هدى)، قال عطية ومقاتل: اعطى كل شي صورته، وقال الحسن وقتادة: اعطى كل شي صلاحه.
وكثيرا ما يجمع الله بين الخلق والهداية، وذلك ليدل على انه ماخلق هذا الخلق العظيم الا ليعبدوه ولا يتأتى لهم ذلك الا بالهداية العلمية والذهنية، قال تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، وقال تعالى:(الرحمن. علم القران. خلق الانسان. علمه البيان)، وقال تعالى:(انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا. انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا).
ومن جميل ما قيل في ذلك قول الشاعر:
لله في الآفاق آيات لعل *** أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا *** حاولت تفسيراً لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى *** من يا طبيب بطبه أرداكا؟
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما *** عجزت فنون الطب : من عافاكا؟
قل للصحيح يموت لا من علة *** من بالمنايا ياصحيح دهاكا؟
قل للبصير وكان يحذر حفرة ***فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟
بل سائل الأعمى خطا بين الزَّحام *** بلا اصطدام : من يقود خطاكا؟
قل للجنين يعيش معزولا بلا *** راع ومرعى : مالذي يرعاكا؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء *** لدى الولادة : مالذي أبكاكا؟
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه *** فاسأله : من ذا بالسموم حشاكا؟
وأسأله كيف تعيش ياثعبان أو *** تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟
وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت ***شهداً وقل للشهد من حلاَّكا؟
بل سائل اللبن المصفى كان بين *** دم وفرث مالذي صفاكا؟
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا *** ميت فاسأله: من أحياكا؟
وإذا ترى ابن السودِ أبيضَ ناصعاً *** فاسأله : مِنْ أين البياضُ أتاكا؟
وإذا ترى ابن البيضِ أسودَ فاحماً *** فاسأله: منْ ذا بالسواد طلاكا؟
قل للنبات يجف بعد تعهد *** ورعاية : من بالجفاف رماكا؟
وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو *** وحده فاسأله : من أرباكا؟
وإذا رأيت البدر يسري ناشرا *** أنواره فاسأله : من أسراكا؟
وأسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد *** كلّ شيء مالذي أدناكا؟
قل للمرير من الثمار من الذي *** بالمر من دون الثمار غذاكا؟
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى *** فاسأله : من يانخل شق نواكا؟
وإذا رأيت النار شب لهيبها *** فاسأل لهيب النار: من أوراكا؟
وإذا ترى الجبل الأشم منا طحاً *** قمم السحاب فسله من أرساكا؟
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال *** جرى فسله؟ من الذي أجراكا؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج *** طغى فسله: من الذي أطغاكا؟
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا *** فاسأله : من ياليل حاك دجاكا؟
وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحياً *** فاسأله: من ياصبح صاغ ضحاكا؟
هذي عجائب طالما أخذت بها *** عيناك وانفتحت بها أذناكا!
والله في كل العجائب ماثل *** إن لم تكن لتراه فهو يراكا.
المرتبة الثانية:
هداية الارشاد والدلالة والبيان، وهذه اخص من الاولى، لانها متعلقة بالمكلفين، وهي لاتستلزم حصول التوفيق والهداية، فقد يتخلف المقتضى لوجود مانع، قال تعالى:(وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى)،
وهذا نوح عليه الصلاة والسلام دعا ولده الى الهدى والخير، فلم يستجب قال ربنا:(ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق وانت ارحم الراحمين) فهداهم الله هدى الارشاد والدلالة، من ارسال الرسل، وانزال الكتب، فلم يقبلوه، فاضلهم الله عقوبة لهم.
وهذا شأن كل من انعم الله عليه بنعمة فكفرها، ان يسلبه الله اياها، قال تعالى:(ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) .
وهذه الهداية هي التي اثبتها لرسوله، حيث قال:(وانك لتهدي الى صراط مستقيم)، ونفى عنه ملك الهداية الموجبة، وهي هداية التوفيق، وقد جمع الله بين الهدايتين بقوله:(والله يدعوا الى دار السلام ويهدي من يشاء الى صراط مستقيم)، فعم بالدعوةحجة منه وعدلا، وخص بالهداية نعمة منه وفضلا.
فلا يعذب الله احدا حتى يقيم عليه الحجة، قال تعالى:(وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، وقال تعالى:(رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل).
فان قيل : كيف تقوم حجته عليهم وقد منعهم من الهدى، وحال بينهم وبينه؟
قيل: حجته قائمةعليهم بتخليته بينهم وبين الهدى، وبيان الرسل لهم، وإراتهم الطريق المستقيم، حتى كأنهم يشاهدونه عيانا، واقام لهم اسباب الهداية ظاهرا وباطنا، ولم يحل بينهم وبين تلك الاسباب، ومن حال بينه وبينها منهم بزوال عقل او صغر لا تمييز له، او كونه بناحية من الارض لم تبلغه دعوة رسله، فانه لا يعذبه حتى يقيم عليه حجته، فلم يمنعهم من الهدى، ولم يحل بينهم وبينه، نعم قطع عنهم توفيقه، ولم يرد من نفسه إعانتهم والاقبال بقلوبهم اليه، فلم يحل بينهم وبين ما هو مقدور لهم، وان حال بينهم وبين ما لايقدرون عليه، وهو فعله ومشيئته وتوفيقه فهذا غير مقدور لهم، وهو الذي منعوه، وحيل بينهم وبينه، فتأمل هذا الموضع، واعرف قدره.
المرتبة الثالثة:
هداية التوفيق و الالهام، وخلق المشيئة المستلزمة للفعل، وهذه المرتبة هي التي ضل فيها جهال القدرية، وهذه المرتبة تستلزم امرين:
الاول: فعل الرب تعالى وهو الهدى.
الثاني: فعل العبد وهو الاهتداء، وهو اثر فعله سبحانه فهو الهادي، والعبد المهتدي، قال تعالى:(من يهد الله فهو المهتد)، فلا يحصل الاهتداء للعبد، ما لم تحصل الهداية من الله، قال تعالى:(ان تحرص على هداهم فان الله لايهدي من يضل)، فعلى هذا فهذه ليست لاحد من الخلق لا نبي ولاملك وانما هي لله وحده، ولذلك قال ربنا عز وجل لنبيه (انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين).
وفي هذه المرتبة زلت اقدام كثير من الخلق، يحتجون بسابق القدر، ويقولون: انه قد مضى الامر، والشقي شقي، والسعيد سعيد، محتجين ببعض النصوص، كقوله سبحانه:(ان الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون)، وغيرها من الادلة؟
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:(هؤلاء القوم اذا اصروا على هذا الاعتقاد كانوا اكفر من اليهود والنصارى، فان اليهود يؤمنون بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، والثواب والعقاب، لكن حرفوا وبدلوا وامنوا ببعض وكفروا ببعض، كما قال الله تعالى:(ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا. اولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينا). فاذا كان من امن ببعض وكفر ببعض فهو كافر حقا، فكيف بمن كفر بالجميع ولم يقر بأمر الله ونهيه، ووعده ووعيده، بل ترك ذلك محتجا بالقدر، فهو اكفر ممن امن ببعض وكفر ببعض). مجموعة الفتاوى5/165.
فنقول اولا: ان الله علم الامور وكتبها على ماهي عليه، فهو العليم بكل شي، قال ربنا:(ان الله بكل شي عليم)، فلا يغيب عن علمه شي، يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لوكان كيف يكون، قال ربنا:(ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه)، وقال تعالى :(لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا) وان علم الله ليس كمثله شي، قال ربنا:(ليس كمثله شئ وهو السميع البصير)، وقال:(الا يعلم من خلق وهواللطيف الخبير)، فإن علم ان فلانا يؤمن ويعمل صالحا فيدخل الجنة، كما قال تعالى:(وبشر الذين امنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار)،فمن قال انه يدخل الجنة بلا عمل صالح، كان قوله باطلا، متناقضا، لما علمه الله وقدره، ومن قال انا لا أطأ امراة ويولد لي كان متناقضا لما علمه الله، بقوله:(فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به).
الامر الثاني: في باب العلم، ان العلم بأن الشئ سيكون كالعلم بالشئ الذي قد كان، اذ هذا العلم ليس موجبا بنفسه لوجود المعلوم باتفاق العلماء، بل هو مطابق له على ما هو عليه، لا يكسبه صفة ولا يكتسب منه صفة بمنزلة علمنا بالامور التي كانت قبل وجودنا، وهذا ما يسمى بالعلم الانفعالي، فاذا كان علمنا يدعونا الى الفعل، فلابد ان يصحب بالارادة والقدرة والمشيئة التي يكون لها تأثير على الفعل، وهو ما يسمى بالعلم الفعلي.
والامر الثاني: الكتابة، والقول فيها كالقول في العلم، قال ربنا عز وجل:(ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في السماء الا في كتاب من قبل ان نبرأها)، وعن عبدالله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السماوات والارض بخمسين الف سنة وكان عرشه على الماء).
وهذه المسألة قد اجاب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن عمران بن الحصين، قال:قيل يارسول الله اعلم اهل الجنة من اهل النار؟ قال: نعم، قيل:ففيم يعمل العاملون؟ قال:كل ميسر لما خلق له. وروى مسلم في صحيحه عن ابي الاسود الدؤلي قال:قال لي عمران بن حصين :أرأيت ما
يعملالناس اليوم ويكدحون فيه، اشي قضى عليهم ومضى عليهم من قدر سابق، او فيما يستقبلون به مما اتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شي قضى عليهم ومضى عليهم، قال: افلا يكون ذلك ظلما؟ قال: ففزعت من ذلك فزعا شديدا، وقلت: كل شئ خلق الله وملك يده فلايسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال: يرحمك الله! اني لم ارد بما سألتك الا لأجود عقلك، ان رجلين من مزينة أتيا رسول. الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يارسول الله، ارأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشئ قضى عليهم ومضى فيهم من قدر سابق او فيما يستقبلون به مماأتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟ قال: لا بل شئ قضى عليهم، ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله:(ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها).
فقد بين ان النبي صلى الله عليه وسلم ان ذلك لا ينافي العمل بل امر به فقال:(اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، ونهى عن الاتكال على القدر، وان تركه للعمل من جملة المقدور الذي يسروا به لعمل الشقاوة، .
بل ان الله قد يجتبي من رسله من يشأ ويطلعه على بعض ما يكون فلا يدع العمل اتكالا على العلم، فان النبي صلى الله عليه وسلم، خرج يوم بدر فأخبر اصحابه بمصارع المشركين فقال:(هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان)، ثم دخل العريش، وجعل يجتهد في الدعاء ويقول:(اللهم انجز لي ماوعدتني)؛ من حديث عمر بن الخطاب، وذلك لان علمه بالنصر، لا يمنع ان يفعل السبب الذي ينصر، وهو الاستغاثة بالله، بل اعد لهم النبي صلى الله عليه وسلم الرمح والسنان والرجال والقتال كل ذلك اخذا منه بالاسباب، مع علمه بمصير القوم.
فعلى هذا فالواجب ان القدر نؤمن به ولانحتج به، فمن احتج بالقدر فحجته داحضة، ومن اعتذر بالقدر فعذره غير مقبول، فآدم لما عصى ربه نزع وتاب، ولم يحتج بالقدر، فتاب الله عليه وغفر له، قال ربنا:( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم)، وابليس لما احتج على ربه بالقدر، لعنه وطرده، (قال ربي بما اغويتني)، فمن احتج بالقدر فقد اشبه ابليس، ومن لم يحتج بالقدر فقد اشبه آدم، ولو كان القدر حجة للعباد ما عذب، الله احدا، ولم تقطع يد سارق، ولا قتل قاتل، ولا اقيمت حدود، ولا امر بمعروف ولا نهي عن. منكر، ولوكان هذا لكان فساد الدنيا والدين.
المرتبة الرابعة:
الهداية الى الجنة والنار يوم القيامة:
قال تعالى:(احشروا الذين ظلموا وازواجهم وما كانوا يعبدون .من دون الله فاهدوهم الى صراط الجحيم)، واهل الجنة يقولون (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله).
والحمد لله.
المصادر:
مجموعة الفتاوى/لابن تيمية.
شفاء العليل/لابن القيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق